اللهم انك عفو تحب العفو فإعف عني

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فإعف عني وعنا

Translate الترجمة

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 8 مايو 2023

يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر-د.أحمد بن محمد الشرقاوي

يتيمة الدهر في  تفسير سورة العصر-د.أحمد بن محمد الشرقاوي

  أستاذ التفسير المشارك بجامعة الأزهر

وتربية عنيزة

من ضمن بحوث الترقية لدرجة أستاذ مشارك

ترجمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الشيخ الدكتور /أحمد محمد الشرقاوي سالم

أستاذ مشارك التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر

وكلية التربية للبنات عنيزة 

السيرة الذاتية

*الاسم /أحمد محمد الشرقاوي سالم

*تاريخ الميلا د /  21 / 2 / 1968 م

*العنوان/ جمهورية مصر العربية - الشرقية - أبوكبير -  شارع ماهر بجوار مسجد أبو بربر

العنوان بالمملكة العربية السعودية القصيم عنيزة ص ب 152 الدكتور أحمد الشرقاوي

*الهاتف/  رقم 055502453 /002 --ورقم 002055505593

الجوال بالمملكة 0508859385

* العمل أستاذ مشارك بكلية أصول الدين والدعوة الإسلامية جامعة الأزهر-  قسم التفسير وعلوم القرآن  0

ومعار إلى كلية التربية للبنات عنيزة 

المؤهلات العلمية

حصلت على درجة الإجازة العالية من كلية أصول الدين والدعوة قسم التفسير والحديث –بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى سنة 1990 م  ، وكان ترتيبي الأول على الدفعة  0

حصلت على الدراسات العليا من كلية أصول الدين والدعوة بالمنصورة بتقدير جيد جدا وكان ترتيبي الأول  0

حصلت على درجة التخصص الماجستير في أصول الدين قسم التفسير وعلوم القرآن جامعة الأزهر  سنة 1994 م وكان موضوع الرسالة  " منهج الشيخ سعيد حوى رحمه الله في التفسير    "  0

حصلت على درجة العالمية الدكتوراه في التفسير وعلوم القرآن من كلية أصول الدين جامعة الأزهر سنة 1998 م بمرتبة الشرف الأولى وكان موضوعها "المرأة في القصص القرآني " دراسة موضوعية مقارنة 0

رقيت إلى درجة أستاذ مشارك بتاريخ 7/5 / 2003م

التدرج الوظيفي  :

عينت معيدا بكلية أصول الدين والدعوة بالزقازيق  قسم التفسير وعلوم القرآن بتاريخ 9/4 /1992 0

رقيت إلى درجة مدرس مساعد بتاريخ 6/3/1995 م 0

ثم رقيت إلى درجة مدرس بتاريخ 2/12/1998 م وحتى تاريخه   0

أسندت  إليّ رئاسة كنترول الدراسات العليا  سنة 2000 وحتى تاريخه

ندبت لتدريس تفسير آيات الأحكام بكلية الشريعة والقانون للعام الجامعي 2000/2001 م كما أسند إلي تدريس آيات الأحكام بقسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية للبنات في نفس العام  ، كما أسند إلي تدريس مادة التفسير الموضوعي للفرقة الرابعة قسم الحديث بكلية الدراسات الإسلامية للبنات في نفس العام 0، وأعمل حاليا بكلية التربية للبنات بعنيزة

 

 

 

 

البحوث والمؤلفات:

كتب منشورة

المرأة في القصص القرآني ط/ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع 2000م

مناهج المفسرين  مكتبة الرشد  بالرياض 1425هـ

الصبر عند فقد الولد ط/ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع  ط/ 2000 م0

صلاة الاستخارة فضلها وأحكامها ط/ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع  ط/2000 م0

تفسير آية الكرسي

تفسير سورة العصر دراسة تحليلية موضوعية  0

منهج الشيخ سعيد حوى في كتابه الأساس في التفسير "رسالة التخصص الماجستير" طبع الجزء الأول منها بمطبعة الفردوس بالزقازيق 0

نظرات في علوم القرآن .

موقف الإمام الشوكاني في تفسيره من المناسبات منشور على مكتبة التفسير بملتقى أهل التفسير

كتب تحت الطبع

الثقافة الإسلامية بين الأصالة والمعاصرة

شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام

كيف انتشر الإسلام وهل انتشر بالسيف ؟

العلم والمعرفة في الإسلام  بحث فائز بجائزة وزارة الأوقاف بمصر لسنة 1988  0

الإسلام والتوازن بين الانتاج والاستهلاك   بحث فائز بجائزة الأوقاف لسنة1989 0

منهج الإمام القاسمي  في التفسير

منهج الشيخ شلتوت في التفسير  0

منهج الإمام ابن باديس في التفسير

منهج الشيخ محمد الغزالي  في التفسير  0

الأسرة المسلمة بين الماضي والحاضر وآفاق المستقبل

أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة تحت الطبع

الأنشطة العلمية والاجتماعية  :

عضو الجمعية السعودية للقرآن الكريم وعلومه

حصلت على لقب الطالب المثالي على مستوى جامعة الأزهر لعام 1990 م

عضو مجلس إدارة الجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة  فرع أبوكبير 1992: 1996 0

وكيل الجمعية الشرعية من 1997: 1999 م

رئيس الجمعية من 1999 إلى تاريخه ، وتقوم الجمعية بكفالة 570 أسرة من أسر الأيتام تضم ما يزيد عن 1600 طفل يتيم بالإضافة إلى مركز الإيمان الطبي ومستوصف الرحمة الطبي حيث تقدم الخدمات الطبية المجانية أو بأجور رمزية ، بالإضافة إلى رعاية الأيتام  تربويا  وعلميا  0

عضو مجلس إدارة الجمعية العلمية لأبناء أبو كبير العاملين بالجامعات 0

عضو جمعية  لتيسير الحج والعمرة بالشرقية

عضو جبهة علماء الأزهر منذ إنشائها وحتى حلها   0

عضو مؤسس لجمعية  أصدقاء المرضى بالشرقية  0

عضو هيئة علماء الجمعية الرئيسية من 2000 وحتى تاريخه 0

عضو لجنة الفتوى بأبو كبير 0

عضو اللجنة الشعبية للقضاء والمصالحة بأبو كبير 0

مندوب هيئة الإغاثة الإسلامية بالشرقية 0

مشرف ومنسق للدورات الصيفية والمخيمات التي نظمتها هيئة الإغاثة الإنسانية بجمعية الهداية لطلاب البعوث الإسلامية 0

شاركت في العديد من المؤتمرات الشعبية لمساندة الانتفاضة ومناصرة الشعب الفلسطيني

شاركت في العديد من الصالونات الثقافية والدبية مع كبار العلماء والأدباء 0

أسند إلي الإشراف على الأنشطة الرياضية بالكلية سنة 1999 وحققنا كثيرا من البطولات كما قمت بعمل مجلة رياضية للكلية 0

كما أسند إلي الإشراف على الأنشطة الثقافية بالكلية وقمنا بعمل العديد من المؤتمرات والندوات 0

وفي هذا العام أعد للقيام بأول مهرجان دولي للأنشودة الإسلامية  بالكلية بمشاركة الطلاب الوافدين 0

أشارك بصفة دائمة في قوافل التوعية التي تجوب محافظات مصر بإشراف الجمعية الشرعية وبالتنسيق مع وزارة الأوقاف والجهات المختصة 0

قمت بأداء خطبة الجمعة على الهواء مباشرة في محافظة الوادي الجديد 0

شاركت في العديد من الأسابيع الثقافية التي نظمتها جمعية أنصار السنة المحمدية بمصر .

أقوم بكتابة الشعر منذ المرحلة الثانوية ولي قصائد كثيرة ومتنوعة  0

سجلت حلقتين في برنامج بطولات إسلامية في التليفزيون المصري 0

،شاركت بمحاضرة في أمسية دينية نقلتها إذاعة القرآن الكريم 0

شاركت في الدورات التدريبية لإعداد الدعاة والمرشدات 0

دعيت لإلقاء محاضرات في مدارس ومعاهد وكليات مختلفة ، حول القضايا المعاصرة

شاركت في صالونات ثقافية وورش عمل لمناقشة مشكلات وظواهر وقضايا مختلفة

مع خالص الشكر والتقدير

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

والله الموفق

 

p;;;p;;;p;

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبع سنته وسلك طريقته وسار على دربه .

وبعد :  فالقرآن الكريم رسالة متجددة إلى كل العصور ، ومعجزة خالدة سبقت جميع العقول .

أنزله الله تعالى نوراً ، ونعمة ، وهداية وحكمة ، وشفاء ورحمة ، وتبياناً لك شئ ، قال تعالى } وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ  { سورة النحل آية 89.

وضمن الله I لمن آمن به واتبع هداه السعادة فى الدارين 0

أما من أعرض عنه فهو فى الضلال يسعى ، وإلى الخسران يمضي ، قال تعالى فى سورة طه }  فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى {123} وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ  أَعْمَى {124} قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا {125} َقالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى {126} وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى {127}{ .

وانطلاقا من هذه الركائز الجوهرية فإنني أقـدم للقـراء الكرام هذا الكتاب ( يتيمة الدهر في تفسير سورة العصر ) وفيه نعيش فى رحاب هذه السورة الكريمة ، ونجول فى ظلالها ، ونتنسم أريجها ، ونترسم منهاجها ، ونقتبس من أنوارها ، ونقتطف من رياضها.

هذه السورة الكريمة التى بينت لنا طريق النجاة من الخسران ، والفوز بالرضوان ، قال عنها الإمام الشافعى : لو تدبر الناس فى هذه السورة لوسعتهم.

وقال أحد السلف : تعلمت معنى السورة من بائع الثلج ، الذي كان يطوف في السوق وهو ينادي ويقول : ارحموا من يذوب رأس ماله ، ارحموا من يذوب رأس ماله ، فقلت هذا معنى  } إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {  يمر به العصر فيمضي عمره ولا يكتسب ما ينفعه فإذا هو خاسر .

أما عن خطتي فى هذا البحث .

فقد قسمته إلى مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة.

أما المقدمة : ففيها تحدثت عن أهمية الموضوع ، وخطه البحث ، ومنهجه.

وأما الفصل الأول  :  فهو بعنوان : التعريف بالسورة الكريمة .

ويشتمل على:

تسميتها.

مكيتها.

عدد آياتها .

ما ورد فى فضلها.

مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته.

المناسبة بين السورة وبين سابقتها ولاحقتها.

وأما الفصل الثاني  :  فهو بعنوان : في رحاب السورة

( دراسة تحليلية)

وأما الفصل الثالث :  فهو بعنوان : مع السورة الكريمة

(دراسة الموضوعية )

ويتكون من ثلاثة مباحث :-

المبحث الأول :  أهمية الوقت فى حياة المسلم.

المبحث الثانى :   حقيقة الخسران

المبحث الثالث :   طريق النجاة ويتكون من أربعة مطالب :-

المطلب الأول :    الإيمان

المطلب الثاني :   العمل الصالح.

المطلب الثالث :   التواصي بالحق.

المطلب الرابع :   التواصي بالصبر.

وأما عن الخاتمة ففيها خلاصة البحث ، ونتائجه ، وتوصياته ،وخاتمة المراجع وفهرس عام للموضوعات.

أما عن منهجى فى هذا البحث :

فقد استعنت بما تيسر لي الرجوع إليه  من كتب التفسير ، وعلوم القرآن ، وغيرها من المراجع المتعلقة بالبحث ، مع توثيق جميع النقول والتعليق عند الحاجة إلى ذلك ، وتخريج الآيات القرآنية بذكر اسم السورة ورقم الآية ، إلى جانب تخريج الأحاديث الواردة في البحث ، والحكم عليها مستعيناً على ذلك بأقوال المحدثين الثقات ، والجمع بين المأثور والرأي ، والدراسة التحليلية والموضوعية ، والاستفادة من كتب التفسير القديمة والحديثة ، والترجيح بين الآراء عند التعارض ، والتوفيق بين الأقوال ما أمكن ، وذكر بعض النكات البلاغية في حدود ما يخدم التفسير ، وإبراز المناسبات بين السورة وسابقها ولاحقها ، وبين المقسم به والمقسم عليه وبين آيات السورة ، وبيان وحدتها الموضوعية.

وبعد 000 فهذه خطتي لهذا البحث ومنهجي فيه ، وأسأل الله U أن يجعل هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.

} وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ {  هود الآية [88]

 

أحمد محمد الشرقاوي

sharkawe2000@yahoo.com

القصيم - عنيزة 10 من ربيع الأول 1425هـ

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الأول :  التعريف بالسورة الكريمة

ويشتمل على     :

تسميتها.

مكيتها.

عدد آياتها.

ما ورد فى فضلها.

مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته.

المناسبة بين السورة وبين سابقها ولاحقها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تسميتها

سميت هذه السورة الكريمة بسورة العصر ، وقد أقسم فيها تعالى بالعصر – وهو الزمان أو جزء منه ، على تحقق وتأكد خسارة الإنسان إذا لم يسلك طريق النجاة القائم على الإيمان والعمل الصالح والتواصى بالحق والتواصى بالصبر.

مكيتها

هذه السورة مكية كما ورد عن ابن عباس وغيره ، وهو قول جمهور المفسرين ، وذهب قتادة إلى أنها مدنية والرأى ما قاله جمهور العلماء [1].

عدد آياتها

ثـلاث آيات باتفاق العلماء ولكن اختلفوا في رأس آيتين (والعصر )0عدها الجميع إلا المدني الأخير آية ،وعد المدني الأخير وتواصوا بالحق آية ولم يعدها غيره  [2].

ما ورد فى فضلها

روى الطبرانى بسنده عن عبد الله بن عبد الله بن الحصين الأنصارى أنه قال كان الرجلان من أصحاب رسول الله e  إذا التقيا لم يفترقا إلا على أن يقرأ أحدهما على الآخر سورة العصر ثم يسلم أحدهما على الآخر [3].

ورواه البيهقى فى الشعب عن أبى مزينة الدارى بنحوه [4].

وقال الإمام الشافعى لو تدبر الناس فى هذه السورة لوسعتهم.

وما ذلك إلا لأنها جمعت فى ثلاث آيات منهجا متكاملاً شاملاً للنجاة من الخسران.

لذا كان حرص صحابة رسول الله e على قراءتها.

مقاصد السورة الكريمة وأهم ما تضمنته

تقرر هذه السورة وتؤكد حقيقة مهمة ، حقيقة لا تتبدل ولا تتغير مهما تغيرت الظروف والأحوال ، والأزمنة والأمكنة ، ومهما تعاقبت القرون وتوالت الأجيال.

هذه الحقيقة هى التى أقسـم عليها رب العالمين بالعصر { إن الإنسان لفى خسر } وجاءت السورة لتقرر وتذكر بهذه الحقيقة الثابتة وتؤكدها بالقسم وهو من أساليب الإقناع والتأكيد والتنبيه ، بالعصر { إن الإنسان لفى خسر } ولا سبيل إلى النجاة من هذه الحقيقة المّرة إلا بالإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والتوصي بالصبر ، وهو الزاد الذى يستعين به المؤمن فى رحلته الشاقة المضنية المحفوفة بالعقبات والمكاره.

ولصاحب الظلال فى هذا المقام كلام طيب : يقول رحمه الله

}  {وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} {

فى هذه السورة  ذات الآيات الثلاث يتمثل منهج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام ،  وتبرز معانى التصور الإيمانى بحقيقته الكبيرة الشاملة فى أوضح وأدق صورة ، إنها تضع الدستور الإسلامى كله فى كلمات قصار ، وتصف الأمة المسلمة : حقيقتها ووظيفتها ، فى آية واحدة هى الآية الثالثة من السورة ، وهذا هو الإعجاز الذى لا يقدر عليه إلا الله.

والحقيقة العظيمة التى تقررها هذه السورة هى : أنه على امتداد الزمان فى جميع الأعصار ، وامتداد الإنسان فى جميع الأدهار ، ليس هنالك إلا منهج واحد رابح ، وطريق واحد ناج ، هو ذلك المنهج الذى ترسم السورة حدوده ، وهو هذا الطريق الذى تصف السورة معالمه ، وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار.

} وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} {

إنه الإيمان ، والعمل الصالح ، والتواصى بالحق ، والتواصى بالصبر.

وهكذا تشتمل هذه السورة على هذه المقاصد السامية والموضوعات المهمة ، الأمر الذى جعل صحابة رسول الله e  يحرصون على قراءتها عند افتراقهم وذلك لاشتمالها على منهج  متكامل وشامل للنجاة من الخسران [5]

المناسبة بين السورة الكريمة وسابقتها ولاحقتها

الصلة بين سورة العصر وبين ما قبلها ومابعدها صلة وثيقة دقيقة تـدل على تلاحم وتلائم هذا البنيان القرآنى المتناسق المتماسك  .

هذه الصلة الوثيقة : تتجلى لنا من وجوه عديدة منها :-

**  أن الله تعالى بعد أن توعد المعرضين المعاندين بعذاب الجحيم التى سيعاينونها قبل أن يدخلوها قال تعالى فى سورة التكاثر  { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ {1} حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ {2} كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {3} ثُمَّ كَلا سَوْفَ تَعْلَمُونَ {4} كَلا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ {5} لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ {6} ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ {7} ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ {8}‏ }

ذكر تعالى فى سورة العصر سبيل النجاة من هذا الخسران المبين الذى ينتظر الكفار المعاندين والفسقة المعرضين.

ولا شك أن تضييع الأوقات وتبديد الأعمار فى التكاثر بالأموال والبنين والتفاخر بالأحياء والأموات ، والانشغال بتلك الأعراض الزائلة عن الحقائق الجوهرية ، هو أعظم الخسران.

وإذا كانت نهاية الإنسان إلى الجحيم فهو أخسر الخاسرين ، حتى ولو كان فى الدنيا من المنعّمين المترفين ، فلسوف ينسى حين يعاين العذاب كل ما مّر به فى الدنيا من متع وملذات ، ل0كنه سيُسأل

عنها ، ويتحسر على تقصيره فى شكر من أنعم عليه بها 0

فالخاسر هو الذى خفت موازينه وألقي به فى الهاوية [6]0

والخاسر هو الذى ضيع الأوقات فى التفاخر بالأحياء والأموات وفى التنافس على تكثير الثروات ، وفى التباهى بكثرة البنين والبنات ، وفى الانشغال بالنعيم عن المنعم ، ذاك هو الخسران  العظيم الذى يصلى به صاحبه نار الجحيم ،[7] وكيف لا يخسر من ضيع الأزمان بعيداً عن الإيمان، كيف لا يخسر من أعرض عن الأعمال الصالحة وأقبل على العصيان ، كيف لا يخسر من لم يتواص بالحق والصبر ، كيف لا يخسر من ضيع العمر فى الهمز واللمز ، والجمع والعدّ ، كيف لا يخسر من علق الآمال العراض على الأموال الطائلة -وقد قيل   الأمانى بضاعة المفاليس - ، حق له أن تخف موازينه ويعاين الجحيم ويخسر كل شئ ، وتتحطم آماله العراض وتتبدد أمانيه العذاب وينبذ فى الحطمة بعد أن نبذ الحق وأهله من أجل المال فكان الجزاء من جنس العمل.

ومن وجوه المناسبة أيضا أنه تعالى لما بين فى سورة التكاثر أن الاشتغال بالدنيا وزخارفها أمر مذموم بين فى هذه السورة ما يجب على الإنسان أن يشتغل به من الإيمان والعمل الصالح والتواصى بالحق والصبر.

ولقد تحدث الإمام السيوطى فى كتابه تناسق الدرر  عن السياق العام لهذه السورة الكريمة فقال ( وسورة ألهاكم ) واقعة موقع العلة لخاتمة ما قبلها ، كأنه لما قال هناك فأمه هاوية ، قيل لم ذلك ؟  فقـــال لأنكم ( ألهاكم التكاثر ) فاشتغلتم بدنياكم وملأتم موازينكم بالآثام ، ولهــذا عقبهـا بسـورة ( والعصر ) المشتملة على أن الإنسان لفى خسر بيان لخسارة الدنيا ونماء تجارة الآخـرة ، ولهـذا عقبها بسورة ( الهمزة ) المتوعد فيها من { جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } فانظر إلى تلاحم هذه السور الأربع وحسن اتساقها [8].

قال تعالى :

}  وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ  { {3}‏

يستهل الله U هذه السورة الكريمة بالقسم {وَالْعَصْرِ} وقسمه تعالى في كتابه الكريم لكمال الحجة وتقرير المحجة ، وفيه تنبيه للسامع إلى أهمية المقسم عليه ، وقطع الحجة على الكافرين المعاندين الذين سلك القرآن بهم جميع طرق الإقناع ، حتى لا يبقى لهم عذر.

وقـد ذكـر المفسرون أقوالاً متعددة  في بيان المقصود بـ ( العصر ) :

فقيل العصر هو الدهر [9] ، أقسم به U لما اشتمل عليه من الأعاجيب ولما فيه من التنبيه بتصرف الأحوال وتبدلها وما فيها من الدلالة على الصانع.

يقول ابن القيم في كتابه التبيان في أقسام القرآن [ أقسم سبحانه بالعصر لمكان العبرة والآية فيه ، فإن مرور الليل والنهار على تقدير قدرة العزيز العليم منتظم لمصالح العالم على أكمل ترتيب ونظام وتعاقبهما واعتدالهما تارة وأخذ أحدهما من صاحبه تارة واختلافهما في الضوء والظلام والحر والبرد والحركة والسكون وانقسام العصر إلى القرون والسنين والأشهر والأيام والساعات وما دونها آية من آيات رب العالمين وبرهان من براهين قدرته وحكمته [10].

2-  وقيل أقسم الله بالعصر أي بوقت العصر [11] ، كما أقسم الله بالضحى وبالليل وبالفجر ، لما في هذه الأوقات من دلائل قدرة الله تعالى وبديع صنعه ، كما أن هذا الوقت وهو آخر النهار وقت الفراغ من الأعمال ، يذكر الإنسان بوقت انتهاء أجله وانطواء صحيفة عمله وانتظاره لمصيره المحتوم إما إلى دار النعيم وإما إلى نار السموم ، أعاذنا الله منها.

قال الحسن رحمه الله إنما أقسم بهذا الوقت تنبيها على أن الأسواق قد دنا وقت انقطاعها وانتهاء التجارة والكسب فيها ، فإذا لم تكتسب ودخلت الدار وطاف العيال عليك يسألك كل أحد ما هو حقه فحينئذ تخجل فتكون من الخاسرين ، فكذا نقول والعصر أي عصر الدنيا قد دنت القيامة و [ أنت ] بعد لم تعتد وتعلم أنك تسأل غداً عن النعيم الذى كنت فيه في دنياك ، وتسأل في معاملتك مع الخلق وكل أحد من المظلومين يدعى ما عليك فـإذا أنت خاسر ، ونظيره { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ } [12] .[13]

لذا فإن هذا الوقت وقت عظة واعتبار وإقبال على الطاعات وبعد عن المعاصي ولأنه وقت معظم ، فإن له حرمته  والدليل على ذلك قوله u ( من حلف بالعصر كاذباً لا يكلمه الله ولا ينظر إليه يوم القيامة ) [14]

قال الرازي في تفسيره : " فكما أقسم في حق الرابح بالضحى فكذا أقسم في حق الخاسر بالعصر ، وذلك لأنه أقسم بالضحى في حق الرابح وبشر الرسول أن أمره إلى الإقبال وهاهنا في حق الخاسر توعده أن أمره إلى الإدبار ، ثم كأنه يقول بعض النهار باق فيحثه على التدارك في البقية بالتوبة ، وعن بعض السلف : تعلمت معنى السورة من بائع الثلج كان يصبح ويقول : ارحموا مــن يذوب رأس ماله ، ارحموا من يـذوب رأس ماله فقلت هـذا معنى { إن الإنسان لفي خسر } يمر به العصر فيمضى عمـره ولا يكتسـب فإذا هو خاسر) " [15] .

وفي هذا المقام يقول الأستاذ عبد الكريم الخطيب مبيناً الحكمة من القسم بالعصر :

( وفي القسم بالعصر تنويه بشأن هذا الوقت من الزمن ، الذى تبدأ فيه الأحياء تجمع نفسها ، وتعود إلى مأواها بما حصّلت وجمعت في سعيها في الحياة ، وإنه لجدير بالعاقل أن يحاسب نفسه على ما عمل في يومه هذا ، وما حصل فيه من خير ، وما اقترف فيه من إثم ، إنه وقت محاسبة ومراجعة لأعمال اليوم ، وتصحيح للأخطاء التي وقع فيها ، فلا يستأنفها في غده ) [16] .

أقـول : وتفسير العصر على أنه وقت العصر هو المناسب للأقسام الأخرى التي وردت في ســــورها – والفجر واللـيل والضحى وقوله تعالى في سـورة التكـويـر { والصبح إذا تنفس }. وقوله تعالى في سورة المدثر{ والصبح إذا أسفر }.

3-  أقسم تعالى بـ ( والعصر ) أي بصلاة العصر وهى الصلاة الوسطى التي نوّه سبحانه وتعالى بفضلها ومزيتها قال تعالى في سورة البقرة { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } وجاء في الصحيحين عن أبى موسى الأشعري   t أن رسول الله e قال ( من صلى البردين دخل الجنة ) [17]

والبردان هما صلاة الصبح والعصر.

وعن أبى بصرة الغفارىt قال صلى بنا رسول الله   r  العصر بالمَخْمِص ، وقال إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضَيعوها ومن حافظ عليها كان له أجره مرتين [18])

وعن أبى هريرة  t قال : قال رسول الله e ( يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وفي صلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم كيف تركتم عبادى ؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون ) [19].

وكما رغب رسول الله e في المحافظة عليها فقد حذّر من تركها ، فعـن ابـن عمر رضى الله عنهما عن النبي e قال ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) [20]

أما من تعمد تركها فقد حبط عمله وباء بالخسران المبين ، وفي ذلك يقول     e ( من ترك صلاة العصر متعمداً فقد حبط عمله ) [21].

من هذا المنطلق فلقد ذكر بعض المفسرين أن المــراد بـ { والعصر } صلاة العصر ، أقسم بها تعالى اعتناء بشأنها وتوجيها لأمة الإسلام وتذكيراً لهم بهذه الصلاة التي يغفل عنها بعض الناس لانشغالهم بتجارتهم أو لخلودهم إلى الراحة من أعمالهم كما أن هذه الصلاة يحصل بها ختم طاعات النهار ، فهي كالتوبة بها يختم العمل فكما تجب الوصية بالتوبة كذا بصلاة العصر لأن الأمور بخواتيمها ، فأقسم تعالى بهذه الصلاة تفخيماً لشأنها [22].

4-  أقسـم تعالى بزمان رسول الله e كما أقســـم بمكانه وحياته قــال تعالى { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ {1} وَطُورِ سِينِينَ {2} وَهَـذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ {3} } سورة التين ، وقـال تعالى مقسماً بحياة حبيبه المصطفي e { لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ {72} سورة الحجر ، وعلى هذا ’’ فالتعريف هنا تعريف العهد الحضري مثل التعريف في اليوم كقولك : فعلت اليوم كذا ’’ [23].

قال الرازي ( أقسم تعالى بزمانهe كما أقسم بمكانه وبعمره فكأنه قال وعصرك وبلدك وعمرك ... ؛  كأنه تعالى يقول : أنت يا محمد حضرتهم ودعوتهم ، وهم أعرضوا عنك وما التفتوا إليك فما أعظم خسرانهم وما أجل خذلانهم ) [24]

وقال أبو السعود : ( أقسم تعالى بعصر النبوة لظهور فضله على سائر الأعصار ) [25]

وقال الإمام الألوسي : ( وقيل المراد به عصر النبوة ، كأنه عنى به وقت حياته  e كأنه أشرف الأعصار لتشريف النبي  ، وقيل هو زمان حياته   e وما بعده إلى يوم القيامة ومقداره فيما مضى من الزمان مقدار وقت صلاة العصر من النهار – كما في حديث رسول الله    e ( إنما بقاؤكم فيمن سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس ) [26]وشرفه لكونه زمان النبي    e وأمته التي هى خير أمة أخرجت للناس [27].

5-  وقيل المراد بالعصر : الليل والنهار ، ويقال لهما العصران  . [28]

وأقسم الله بالليل والنهار لأنهما من أجل النعم وأعظم الدلائل على القدرة الإلهية ، وفي تقلبهما من العبر والعظات ما لا يخفي على أحد.

قال تعالى في سورة إبراهيم   ] وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33}  (

وقال U ] يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً للأوْلِي الأبْصَار   {

6-  وقيل أقسم تعالى برب العصر على تقدير حذف المضاف [29] وما لا يحتاج إلى حذف أولى ، ولله    U أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ففي ذلك تعظيم لذاته وصفاته ، ولا يجوز لنا أن نقسم إلا بالله تعالى ، يقول رسول الله    e ( من حلف بغير الله فقد أشرك ) [30].

وقسمه تعالى بالزمان أو بجزء منه لأن الوقت رأس مال الإنسان فإذا بدد الإنسان رأس ماله فيما لا ينفع فقد باء بالخسران ، وإن اغتنم الأوقات واستثمر الساعات في العمل الصالح المصاحب للإيمان المقترن به فهو الرابح المفلح.

] إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2}  (

يعنى بالإنسان هنا جميع الناس فالتعريف هنا تعريف الجنس  ، فهو لفظ يفيد العموم بدليل الاستثناء منه ، والإنسان لا ينفك عن الخسران ، لأن الخسران هو تضييع عمره ، وذلك لأن أي ساعة تمر من عمر الإنسان إما أن تكون في طاعة أو في معصية ، فإذا كانت في طاعة فلعل غيرها أفضل منها وهو قادر على الإتيان بها فكان فعل غير الأفضل تضييعاً وخسرانا ، وإن كانت في معصية فالخسران بّين ، فبان بذلك أنه لا ينفك أحد عن الخسران.

وقوله تعالى ] إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ( الخسر هو النقصان والاضمحلال وذهاب رأس المال ، والغبن والضلال ’’ خَسِرَ خَسْراً وخَسًرا وخُسرانا وخَسارة وخَسارا ، فهو خاسر وخَسِر  : أي ضل ، والخَسار والخَسارة : الضلال والهلاك 000 والخَسر والخُسران : النقص ، وأخسرته أنقصته ، قال تعـالـى في سورة المطففين ] وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ {3} ([31] .

قال الأخفش ( في خسر ) أي في هلكة ، وقال الفـــراء عقوبة وقال ابن زيد لفي شر[32] .

أقول : وكل هذه المعانى محتملة فالهلاك والخسران والشر والضلال والنقصان كلها من مظاهر الخسر وعواقبه الأليمة.

وخسر الإنسان في صرف الأعمار فيما لا ينفعه في حياته الباقية التي سينتقل إليها مهما طال العمر ، وأي خسر أعظم ممن باع آخرته بدنياه ، باع الباقى بالفانى ، باع النفيس بالخسيس ، قال أبو حيان ’’ من باع آخرته بدنياه فهو في غاية الخسران بخلاف المؤمن فإنه اشترى الآخرة بالدنيا فربح وسعد ’’ [33].

وهذا الخسر مراتب متفاوتة بحسب الأعمال السيئة التي تؤدى إليه وما يترتب عليها من عواقب ، ولهذا جاء ( خسر ) بصيغة التنكير لإفادة التنويع ، ولقد أكد الله تعالى هذا الخبر بالقسم { إنّ } واللام المؤكدة  { لفي } التي تفيد أنه مغمور في الخسر الذى يحيطه من كل جانب فعليه أن يلتمس سبيل النجاة.

ويمكن أن يكون التنكير للتهويل والتعظيم فهو خسران عظيم هائل فادح لا يعلم مداه إلا الله وهو خسران أعظم من خسارة المال والأهل والجاه والسلطان.

] إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (

إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ’’ فإنهم في تجارة لن تبور حيث باعوا الفانى الخسيس واشتروا الباقى النفيس ، واستبدلوا الباقيات الصالحات بالغاديات الرائحات ، فيالها من صفقة ما أربحها ’’ [34] .

والاستثناء هنا من جنس الناس فالكل في خسران إلا أهل الإيمان والعمل الصالح فالاستثناء متصل أما على الرأي القائل بأن المراد بالإنسان الكافر : فالاستثناء منقطع لأن المستثنى ليس من ضمن المستثنى منه.

والإيمان هو مطلق التصديق بما جاء به رسول الله e من عند ربه ، وهو شامل للإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره حلوه ومره إيماناً صادقاً واعتقاداً صحيحاً ويقيناً ثابتاً

وقوله تعالى ] وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ( من عطف الخاص على العام لأن العمل الصالح جزء من الإيمان لا ينفك عنه ، إذ الإيمان تصديق بالقلب وإقرار باللسان وعمل بالجوارح ، وعطف العمل الصالح على الإيمان لبيان مدى أهميته فهو البرهان على صدق الإيمان ، وهو الترجمة الواقعية له ، وهو من آثاره الطيبة وثمراته اليانعة ، وهو جزء منه لا ينفك عنه فالإيمان بلا عمل كالشجر بلا ظل ولا ثمر، والعمل بدون الإيمان كالجسد بلا روح

فلا وزن للعمل ولا للإيمان إذا افترق أحدهما عن صاحبه.

وعمل الصالحات يكون بالامتثال لكل ما أمر الله به ودعا إليه واجتناب كل ما نهى الله عنه وحذر منه 0

والتعريف في قوله ] الصَّالِحَاتِ ( تعريف الجنس مراد به الاستغراق ، فهو يشمل جميع الأعمال الصالحة فكل من يتصف بالإيمان ولكنه يقع أحياناً في بعض المحظورات ، فهو في نوع خسران ، بقدر تقصيره وإهماله 0

يقول ابن القيم ’’ ومن هنا فلا بد من التفريق بين مطلق الخسارة والخسار المطلق فمن ربح في سلعة وخسر في غيرها قد يطلق عليه أنه في خسر وأنه ذو خسر ، كما قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما ’ لقد فرطنا في قراريط كثيرة ’ [35] ، فهذا نوع تفريط وهو نوع خسر بالنسبة إلى من حصّل ربح ذلك ’’ [36].

} وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر (

ورد في اللسان : ’’ وصّى : أوصى الرجل ووصاه : عهد إليه ، وتواصى القوم : أوصى بعضهم بعضاً ’’ [37].

والوصية ’’ هى التقديم إلى الغير بما يعمل به مقرونا بوعظ ونصيحة من قولهم أرض واصية أي متصلة النبات ’’ [38].

من هنا فقوله تعالى ] وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ( بمعنى أوصى بعضهم بعضاً بلسان المقال ولسان الحال ، بإتباع الحق والتمسك به ’’ والحق هو الأمر الثابت الذى لا يسوغ إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره ، وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله ’’ [39].

وسر التعبير بـ ] وَتَوَاصَوْا ( " أنه تعالى مدحهم بما صدر منهم في الماضى وذلك يفيد رغبتهم في الثبات عليه في المستقبل" [40].

والتواصى بالحق من العمل الصالح فذكره بعد العمل الصالح من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماما بأمره [41].

] وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ( كرر الفعل لاختلاف متعلقه ، وتخصيص هذا الفعل بالذكر مع اندراجه تحت التواصي بالحق لإبراز كمال الاعتناء به ، أو لأن الأول عبارة عن رتبة العبادة ، التي هى فعل ما يرضى الله تعالى ، والثانى عبارة عن رتبة العبودية التي هى الرضا بما فعل الله ، فالصبر ليس مجرد حبس النفس عما تتوق إليه من فعل وترك بل هو تلقى ما ورد منه تعالى بالقبول والرضا به ظاهراً وباطناً [42].

والصبر ثلاثة أنواع : الصبر على الطاعات ، والصبر عن المعاصي والصبر على البلايا.

وفي قـولـه تعالى ] وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر ( بعد قوله تعالى ] وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ( إشارة إلى أن طريق الحق ليس مفروشاً بالرياحين والأشواق والورود ، بل إنه محفوف بالعقبات والأشواك والسدود ، والثبات عليه يحتاج إلى صبر جميل وعزيمة قوية.

 

الفصل الثالث

طريق النجاة في رحاب سورة العصر

ويشتمل على :  ستة مباحث :

المبحث الأول : اغتنام الوقت .

المبحث الثاني : إدراك حقيقة الخسران.

المبحث الثالث : الإيمان

المبحث الرابع  : العمل الصالح

المبحث الخامس :  التواصي بالحق

المبحث  السادس : التواصي بالصبر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تمهيد

تضمنت هذه السورة ستة محاور لمن أراد أن يسلك طريق النجاة هذه المحاور هي اغتنام الوقت ، إدراك حقيقة الخسران ،  الإيمان ، العمل الصالح ، التواصي بالحق ،  التواصي بالصبر .

ونقصد بالنجاة هنا النجاة من الخسران المبين الذي يحيق بالبعيدين عن منهج الله المبعدين المحرومين من رحمة الله .

لقد وضعت لنا هذه السورة معالم هذا الطريق الذي يفضي في النهاية إلى النجاة من الخسران والفوز بالرضوان .

هذه المعالم التي ينبغي لكل سالك أن يتحقق منها ، وأن يقيم سعيه في ضوئها ، وأن لا ينحرف عنها .

فالنجاة مطلب الكثير من الناس لكن القليل منهم هو الذي يهتدي إلى مسالكها :

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها    إن السفينة لا تجري على اليبس

وسفينة النجاة لا يرتادها إلا من سعى لها حق سعيها { وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {19} }سورة الإسراء .

فليست العبرة بالتحقق من الطريق أو الوقوف على معالمه وتحديد مراسمه بل لا بد من السعي الجاد والعمل المتواصل والسير الحثيث على هذا الطريق ، والثبات على هذا المنهج ، والدعوة إليه .

بل ولابد من المسارعة إلى هذا الطريق قبل فوات الأوان دون تكاسل أو توان ؛

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد، فوقع أحدهم فعبر حتى أتى، ثم وقع أحدهم حتى أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب إلى الهلكة، ارجع عودك على بدئك؟! وناداه الذي عبر: هلم النجاة. فجعل ينتظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة قال: فجاءه سيل فأغرقه، فالذي عبر المؤمن، والذي غرق المنافق، مذبذب بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، والذي مكث الكافر.

 

ولقد حرص الصحابة الكرام على طلب النجاة والسؤال عنها لا لمجرد المعرفة وإنما ليقيموا أنفسهم على سبيلها .

فعن عقبة بن عامر رضي اللّه عنه قال:

قلتُ يا رسولَ اللّه، ما النجاة؟ قال: "أمْسِكْ عَلَيْكَ لِسانَكَ وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ وَابْكِ على خَطِيئَتِكَ" قال الترمذي: حديث حسن.[43]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الأول : اغتنام الوقت .

أقسم الله تعالى بالعصر وهو الزمان أو جزء منه .

وفي هذا إشارة إلى الأهمية البالغة للوقت ، فالوقت نعمة إلهية تستوجب منا الشكر ، ولقد خلق الله الليل والنهار لتستقيم الحياة  ، قال تعالى في سورة إبراهيم ] اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ {32} وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ {34}  ( .

وفي هذه الآيات الكريمة يمتن تعالى على عباده بجملة من نعمه التى لا تحصى ، ومن هذه النعم نعمة الليل والنهار الذى يدور الوقت حولهما ويقوم عليهما وكثير من الناس يغفلون عن هذه النعمة مع جلائها ، قال تعالى في سورة النحل ] وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ {12) ( .

فالعقـلاء وحـدهم هـم الذين يـدركون هذه النعمة ويجدّون في القيام بحق شكر المنعِم U ، الـذى رحِـم بنا وأنعم علينا بنعمة الليل ونعمة النهار ، فلا تستقيم الحياة بدون هاتين النعمتين ، فلا غنى بالليل عن النهار كما أنه لاغنى بالنهار عن الليل ، قال تعالى في سورة القصص ] قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ {71} قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ {72} وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعـَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (  {23}

من هنا تتجلى لنا تلك النعمة الإلهية التى غفل عن شكرها الغافلون ، وتنافس في تبديدها وإهدارها البطالون المبطلون ، وصدق رسول الله e حين قال ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ ) [44].

فعلى المؤمن العاقل أن يجدّ في شكر المنعم على نعمة الوقت وأن يوظفه في كل مفيد نافع.

والوقت أمانة ومسئولية: شأنه في ذلك شأن سائر الأمانات وكافة المسئوليات التى سيسأل عنها الإنسان يوم العرض على الملك الديان ، قال e ( لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن أربع عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، وعن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، وعن علمه ماذا عمل به ) [45].

ولسوف يسأل الكفار وهم يقلبون في النار سؤال إنكار لا سؤال إعذارعن الأعمار التى أفنوها ، قال تعالى في سورة فاطر ] وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ{37} (.

الوقت عظة واعتبار ويتجلى ذلك في تعاقب الجديدين وتقلبهما أعنى الليل والنهار ،ـ وفي ذلك من الاتعاظ والاعتبار ما يدل على أهمية الوقت ، قال تعالى في سورة النور ] يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ {44} ( .

وقال ابن القيم في كتابه الجواب الكافي [ أعلى الفكر وأجلها وأنفعها ما كان لله والدار الآخرة ، فما كان لله فهو أنواع ، 000 ، وذكر منها : الفكرة في واجب الوقت ووظيفته وجمع الهمّ كله عليه ، فالعارف ابن وقته ، فإن أضاعه ضاعت عليه مصالحه كلها ، فجميع المصالح إنما تنشأ من الوقت ، فمتى أضاع الوقت لم يستدركه أبداً ] [46].

فإذا تأمل الإنسان في سرعة انقضائه بادر إلى اغتنامه وصدق من قال :

دقات قلب المرء قائلة له                     أن الحياة دقائق وثوان

فاغنم لنفسك قبل موتك ذكرها            فالذكر للإنسان عمر ثان

إذا كنت أعلم علم اليقين                   بأن جميع حياتي كساعة

فلم لاأكون ضنينا بها                        وأنفقها في صلاح وطاعة

إنما دنياك ســاعة                          فاجعل الساعة طاعة

واحذر التقصير فيها                         واجتهد ما قدر ساعة

وإذا أحببت عــزا                        فالتمس عز القناعة

والوقت من أغلى ما يمتلكه الإنسان: فالوقت هو الحياة ، وهو رأس مال الإنسان ، وإذا ضيعه فلا يمكن بأى حال من الأحوال أن يستردّه ، وشبهه بعض العقلاء بالذهب ، ولكنه أغلى وأنفس من كل نفيس.

والوقت أنفس ما عُنيت بحفظه  **  وأراه أيسرَ ما عليك يهون

فالوقت أنفس من كل نفيس لأنه جزء من كيان الإنسان ، لأنه أنفاسه المعدودة في هذه الحياة.

حياتك أنفاس تعدّ فكلما   **   مضى نفس منها انتقصت به جزءاً

والمؤمن وحده هو الذى يعرف قيمة الوقت ، لمعرفته بالغاية التى من أجلها خلق ، قال U ] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إلا لِيَعْبُدُونِ {56} مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ {57} إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ {58} فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِّثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ {59} ( .

أما الكافر فكما أخبر رب العالمين عن حاله فقال] وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ {12} وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ {13} ( . سورة محمد

وقال U ] وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ {27} (  سـورة ص.

وقال تعالى ] أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ {115} فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ {116} ( سورة المؤمنون.

من حكم ابن عطاء السكندرى حول أهمية الوقت :

يقول ابن عطاء السكندرى رحمه الله :

( ما فات من عمرك لا عوض له ، وما حصل لك منه لا قيمة له ) [47] .

وفي هذا المعنى قال الجنيد رحمه الله :

( الوقت إذا فات لا يستدرك وليس شئ أعز من الوقت )[48]

وقال ابن عطاء ( رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده ، ورب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده ، من بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من منن الله تعالى مالا يدخل تحت دوائر العبارة ولا تلحقه الإشارة ) [49].

قال ابن عجيبة الحسنى في شرحه للحكم : ( كثير من الناس طالت أعمارهم واتسعت أزمنتهم ، وقلت أمدادهم أى فوائدهم ، فلم يحصلوا على شئ حيث اشتغلوا بالبطالة والتقصير حتى مضت تلك الأيام كطيف المنام ، وأضغاث أحلام ، وكثير من الأعمار قلت آمادهم أى أزمنتهم ، وكثرت أمدادهم أى فوائدهم ، فأدركوا من فوائد العلم والمعارف والأسرار في زمن قليل ما لم يدركه غيرهم في الزمن الكثير ) [50].

حرص السلف الصالح على أوقاتهم

وقد كان سلفنا الصالح رضوان الله عليهم حريصين أشد الحرص على الانتفاع بأوقاتهم واغتنامها واستثمارها ، فقد كانوا يسابقون الساعات ويبادرون اللحظات ضنّا منهم بالوقت ، وحرصاً على أن لا يذهب منهم سدى .

قال الصحابى الجليل عبد الله بن مسعودt   ( ما ندمت على شئ ندمى على يوم غربت شمسه ، نقص فيه أجلي ، ولم يزد فيه عملى ).

وقال الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز t إن الليل والنهار يعملان فيك ، فاعمل فيهما ).

وقال الحسن البصرى t : يا ابن آدم إنما أنت أيام فإذا ذهب يوم   ذهب بعضك ، ويوشك إذا ذهب بعضك أن يذهب كلك وقال أيضاً : أدركـت أقوامـا كانـوا على أوقاتهـم أشـد منكـم حرصـاً على دراهمكم ودنانيركم [51].

**  أثقل الساعات على الخليل بن أحمد  ساعة يأكل فيها ! .

قال أبو هلال العسكرى في كتابه ( الحــث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه )[52] كان الخليل بن أحمد – الفراهيدى البصرى أحد أذكياء العالم (100 :170) هـ يقول أثقل الساعات على : ساعة آكل فيها ، فالله أكبر ما أشد الفناء في العلم عنده ؟! ، وما أوقد الغيرة على الوقت لديه ؟!.

**  أبو يوسف يموت ابنه فيوكل بتجهيزه ودفنه ليحضر الدرس ‍!

وهذا الإمام  الجليل  أبو يوسف القاضى ، كان شديد الملازمة لشيخه الإمام أبى حنيفة ، لازم مجلسه أكثر من  17 سنة ، ما فاته صلاة الغداة معه ، ولا فارقه في فطر ولا أضحى إلا من مرض ، ( روى محمد  بن قدامة ، قال : سمعت شجاع بن مخلد ، قال : سمعت أبا يوسف يقول : مات ابن لى ، فلم أحضر جهازه ولا دفنه وتركته على جيراني وأقربائي ، مخافة أن يفوتنى من أبي حنيفة شئ لا تذهب حسرته عنى )[53].

**  حرص الجاحظ والفتح بن خاقان وإسماعيل القاضى على العلم !

وروى الخطيب البغدادى في كتابه ( تقييد العلم )[54] عن أبى العباس المبرد ، قال : ما رأيت أحرص على العلم من ثلاثة : الجاحظ – عمرو بن بحر إمام أهل الأدب ، ( 163 -255 ) والفتح بن خاقان – الأديب الشاعر أحد الأذكياء ، من أبناء الملوك ، اتخذه الخليفة المتوكل العباسي وزيرا له وأخاً ، واجتمعت له خزانة كتب حافلة من أعظم الخزائن ، (ت247 هـ)0

وإسماعيل بن إسحاق القاضي – الإمام الفقيه المالكى البغدادى ( 200 282 هـ )

فأما الجاحظ فإنه كان إذا وقع  بيده كتاب قرأه من أوله إلى آخره أى كتاب كان ، حتى إنه كان يكترى دكاكين الوراقين ويبيت فيها للنظر في الكتب.

وأما الفتح بن خاقان فإنه كان يحمل الكتاب في كمه ، فإذا قام من بين يدى المتوكل للبول أو للصلاة ، أخرج الكتاب فنظر فيه وهو يمشي ، حتى يبلغ الموضع الذى يريده ، ثم يصنع مثل ذلك في رجوعه ، إلى أن يأخذ مجلسه ، فإذا أراد المتوكل القيام لحاجة أخرج الكتاب من كمه وقرأه في مجلس المتوكل إلى حين عوده .

وأما إسماعيل بن إسحاق القاضى فإنى ما دخلت عليه قط إلا رأيته وفي يده كتاب ينظر فيه أو يقلب الكتب لطلب كتاب ينظر فيه أو ينفض الكتب .

 

**  البيرونى يتعلم مسألة في الفرائض وهو في مرض موته !.

وجاء في معجم الأدباء لياقوت الحموى في ترجمة الإمام الفلكى الرياضي الفذ ، والمؤرخ اللغوى الأديب الأريب ، الجامع لأشتات العلوم أبى الريحان البيروني ( محمد بن أحمد الخوارزمى ( 362 - 440 هـ) :

حدث الفقيه أبو الحسن على بن عيسى الولوالجى قال : دخلت على أبى الريحان وهو يجود بنفسه ، قد حشرج نفسه ، وضاق به صدره – قد بلغ من العمر 78 سنة – فقال لى في تلك الحال : كيف قلت لى يوماً : حساب الجدات الفاسدة – وهى التى التى تكون من قبل الأم - ؟.

فقلت له إشفاقاً عليه : أفي هذه الحالة ؟ قال لى : يا هذا ‍‍ أودّع الدنيا وأنا عالم بهذه المسألة ، ألا يكون خيراً من أن أخليها وأنا جاهل بها ، فأعدت ذلك عليه ، وحفظ ، وخرجت من عنده وأنا في الطريق فسمعت الصراخ ‍! ) انتهى.

**  وقال عبيد بن يعيش :

أقمت ثلاثين سنة ما أكلت بيدى بالليل ، كانت أختى تلقمنى وأنا أكتب الحديث [55].

**  وهذا ابن أبى حاتم  الرازى يقول :

( مكثت في مصر سبع سنوات ، لم أذق فيها مرقة ، نهاري أمر على الشيوخ وبالليل أنسخ وأقابل النسخ ، وفي يوم ذهبنا لموعد شيخ فوجـدناه عليلاً فمررنا بالسوق فوجدت سمكة فأعجبتني فاشتريتها وانطلقنا إلى البيت فجاء موعد شيخ فتركناها وانشغلنا عنها ثلاثة أيــام حتى كادت أن تنتن  فأكلناها وهى نيئة 0

وهذا الإمام جمال الدين القاسمى وقد عاش قرابة خمسين سنة وألف ما يزيد عن خمسين مؤلفاً وكانت حياته زاخرة بالعلم والدعوة والكفاح ، ومع ذلك كان يقول : يا ليت الوقت يباع فأشتريه.

**  وبحرص سلفنا الصالح على أوقاتهم علا قدرهم وسما شأنهم ، وخلد ذكرهم ، أما في زماننا هذا فإن من أبرز أسباب تخلف المسلمين تفننهم وتفانيهم في تدمير وإهدار أوقاتهم في المقاهى والملاهى والطرقات وأمام التلفاز والتسجيلات الصوتية والمرئية وفي غير ذلك من المجالات التى لا فائدة منها ولا ثمرة من ورائها.

 

المبحث الثاني : إدراك حقيقة الخسران.

تحدثت سورة العصر عن الخسران الحقيقى الذى يحيق بالإنسان حين يكون بعيداً عن منهج الله U الذى شَـرَعَه لعباده ، قــال تعالى ] وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2}(  ، وهل هناك أخسر ممن باع آخرته بدنياه ؟.

هل هناك أخسر ممن رغب بالفانى الخسيس عن الباقى النفيس ؟.

يا لها من خسارة عظيمة يوم يخسر الإنسان  نفسـه خسـارة لا مـردّ لهـا ،يوم يحال بينه وبين المتع والملذات ويفرق بينه وبين أحب الناس إليه ، قال تعالى في سورة الزمر ] قُلْ إِنَّ الْخَاسِــرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ {15} (

وقال U في سـورة هـود في بيان صفات الخاسرين التى من أجلها باءوا بالخسران ] وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أُوْلَـئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَـؤُلاء الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ {18} الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ {19} أُولَـئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاء يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُـواْ يُبْصِرُونَ {20} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مّـَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ {21} لاَ جَــرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ {22} ( .

وقال تعالى في سورة النحل ] مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَـكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ {106} ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ {107} أُولَـئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ {108} لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ {109} (.

فالكفر والضلال والفسق والانحلال والصد عن سبيل الله والافتراء على الله تعالى ، عاقبته الخسران والخذلان واللعنة والإهانة والتقريع والمهانة ، والخزى والندامة والعذاب العظيم  يوم القيامة.

خسارة فادحة !

وحتى نقـدر حجم الخسارة فلا بد من عقد مقارنة موجزة بين متاع الدنيا ونعيم الآخرة ، وبين نعيم الجنة وعذاب جهنم أعاذنا الله منها.

قال تعالى في سورة يونس ]   إ نَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ {24} وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ {25} لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {26}  وَالَّذِينَ كَسَبُواْ السَّيِّئَاتِ جَزَاء سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{27}(.

وقال U في سورة الكهف.] وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {29} وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا {29} إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا {30} أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا {31}  (

وقال تعالى في نفس السورة ]  وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا {45} الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَملا {46} وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا {47} ( .

وقال U في سورة النحل]   مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {96} (.

وقال U في سورة النساء ] قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً {77} ( .

وقال تعالى في سورة الأعلى ] بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا {16} وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى {17} إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى {18} صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى {19}‏ ( .

وقال تعالى في سورة هود ] مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ {15} أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {16} (.

وقال U في سورة  الإسراء ] مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا {18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا {20} (.

وقال U في سورة  الشورى ] مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ {20} (.

فيا عجباً لمن عمّر دنياه وخرب أخراه !.

يا عجباً لمن جعل همّه ووجَّه فكره لدار الغرور؟

عن زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ y  قال سمعتْ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (مَنْ كَانَتِ الدُّنْيا هَمَّهُ، فَرَّقَ اللهُ عَلَيْهِ أَمْرهُ، وَجَعَلَ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ مَاكُتِبَ لَهْ. وَمَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ نِيَّتَهُ، جَمَعَ اللهُ لَهُ أَمْرَهُ. وَجَعَلَ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِي رَاغِمَةٌ).[56]

  وعن أنس بن مالك y . قال :  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بأنعم أهل الدنيا، من أهل النار، يوم القيامة. فيصبغ في النار صبغة. ثم يقال: يا ابن آدم! هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول: لا. والله! يا رب! ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا، من أهل الجنة. فيصبغ صبغة في الجنة. فيقال له: يا ابن آدم ! هل رأيت بؤسا قط ؟ هل مر بك شدة قط ؟ فيقول: لا. والله ! يا رب! ما مر بي بؤس قط. ولا رأيت شدة قط". [57] .

وفي هذا الحديث الشريف تتجلى لنا حقيقة الخسران ، لمن صال الجحيم ، فنسي بعد أول لحظة كل ما مر به في الدنيا من متع وملذات ، نسي القصور العامرة ، والمراكب الفاخرة ، والخزائن الزاخرة ، والسيارات الفارهة ، والأرصدة الفلكية ، نسى كل ذلك النعيم عند أول لحظة له في نار الجحيم .

وفي المقابل يؤتى بأشد أهل الدنيا بؤساً ممن كتبت له السعادة في الآخرة ، يؤتى به فيصبغ في الجنة صبغة يقضى في الجنة لحظة ويسأله رب العزة وهو العليم بحاله [ ياعبدى هل رأيت بؤساً قط ؟ هل مر عليك بؤس قط ؟ ]  فيقول وقد أنسته تلك اللحظة كلَّ ما مر به في الدنيا من هم وغم ، وجوع وخوف ، وحرمان ومشقة وعناء ، واضطهاد وإيذاء ،وصعاب واغتراب يقول وقد نسى كل هذا ( لا والله يارب ما مرّ علىّ بؤس قط ، ولا رأيت بؤساً قط ).

وإذا كانت أسعار الأرض في العقود الأربعة الأخيرة قد شهدت ارتفاعاً كبيرا في بلادنا حتى وصل سعر ( المتر ) الواحد آلاف الجنيهات في بعض المواقع الحيوية والأحياء الراقية ، فكم يبلغ مقدار موضع القدم في الجنة ؟.

يجيب عن ذلك الصادق المصدوق e فيقول [ 000( لغدوةٌ في سبيلِ اللهِ أو روحةٌ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ولقابُ قوسِ أحدكُم أو موضعُ يدهِ في الجنَّةِ خيرٌ من الدُّنيا وما فيها ولو أنَّ امرأةً من نساءِ أهلِ الجنَّةِ اطلعتْ إلى الأرضِ لأضاءتْ ما بينهُما ولملأتْ ما بينهُما ريحاً ولنصيفُها على رأسِها خيرٌ من الدُّنيا وما فيها )[58]  وإذا كانت الدرجات في الدنيا متفاوتة فهذا موظف وهذا موظف كبير ، وذاك خفير وهذا وزير ، والمناصب كلها لا دوام لها ، ودرجات الدنيا ما هى إلا ابتلاء لمن ينالها ، وهى  ضئيلة قليلة لا وزن لها ولا قيمة في مقابل الدرجات الحقيقية الباقية ، الدرجات العلى ، قال U ] مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا {18} وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا {19} كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا {20} انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً {21} ( سورة الإسراء. .

فالخاسر هو الذى يبيع آخرته بدنياه ، ويؤثر الدرجات الفانية على الدرجات الباقية.

ولقد بين لنا رسول r  أن في الجنة درجات متفاوتة وفي ذلك يقول (الْجَنَّةُ مِائَةُ دَرَجَةٍ. كُلُّ دَرَجَةٍ مِنْهَا مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. وَإِنَّ أَعْلاَهَا الْفِرْدَوْسُ. وَإِنَّ أَوْسَطَهَا الْفِرْدَوْسُ. وَإِنَّ الْعَرْشَ عَلَى الْفِرْدَوْسِ. مِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ. فَإِذَا مَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ)[59].‏

وهكذا يتضح لنا حجم الخسـارة الحقيقة التى تحيق بمن لم يسلك طريق النجاة والفوز ] الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} (.

ولا شك في أن كل إنسان يحرص على أن يكون من الرابحين الفائزين إلا أن الكثيرين يضلون الطريق ويلهثون وراء أوهام وخيالات.

فمن الناس من ينشد الربح والفوز في المناصب والرياسة ومنهم من ينشده في جمع الأموال الطائلة ، ومن النساء من تتوهم أن جمالها سيؤهلها لنيل السعادة ، والحق الذى لا مرية فيه أن الربح والسعادة ليست بالمال ، ولا بالجمال ولا بالجاه والسلطان ، ولا بالسكنى في الأحياء الراقية ولا بركوب السيارات الفاخرة والعيش في القصور الزاخرة ولا بالأرصدة الفلكية والحسابات السرية في البنوك ، وإنما السعادة في طاعة ملك الملوك :

ولست أرى السعادة جمع مال **   ولكن التقى هو السعيد

وتقوى الله خير الزاد زخراً   **      وعند الله للأتقى مزيد

نماذج واقعية

الجاه والسلطان والمال والجمال ليس كما يتصور البعض من أسباب السعادة والهناء وصفاء العيش بل إن هذه الأشياء في أحيان كثيرة لا تغنى عن صاحبها شيئاً ولا يجنى من ورائها إلا الشقاء والهموم فضلاً عن كونها من دواعي الغرور وعوامل الانحلال.

ومن النماذج التى تشهد بما ذكرناه :

أيام الصفا !

كان عبد الرحمن الناصر من أعظم ملوك الأندلس وأغناهم اتسع ملكه وانتظم سلكه وفاضت خزائنه وأنفق المليارات على البناء والتشييد والزخرفة فضلاً عن التقلب في المتع والملذات ، ومع عيشـه الرغيد وعمره المديد فلقد وُجد مكتوباً بخط يده ( أيام السعادة التى صفت لى : يوم كذا من شـهر كذا ، ويوم كذا من شــهر كذا ، ويوم كذا من شهر كذا ، حتى عّد أربعة عشر يوماً ) هى مجموع أيام سعادته وصفائه بعد أن عاش في مملكته خمسين عاماً وستة أشهر وثلاثة أيام [60].

 

 

الصلاة على الغريب

وهذا أيضاً المعتمد بن عباد وهو من أشهر ملوك الأندلس ، عاش متنعماً يرفل في النعيم ، وحوله الخدم والحشم ، والشعراء والمغنين ، وسرعان ما انقلب عليه الزمان وتغلب عليه يوسف بن تاشفين وألقى به في غياهب السجون وحال بينه وبين المتع والملذات والبنين والبنات وزج به في سجن مدينة أغمات ، فلجأت بناته إلى العمل في غزل الثياب مقابل دراهم معدودات ، وفي يوم عيد دخلن على أبيهن وهن في أطمار بالية وحالة مزرية وهيئة محزنة  فأشفق عليهن السجان ورق قلبه عند لقائهن بأبيهن وحزنه على ما صرن إليه فبكى علــى حالهن يقول : صاحب كتاب نفح الطيب [ 000 أول عيد له بأغمات ، دخل إليه من بنيه من يسلم عليه ويهنيه ، وفيهم بناته وعليهن أطمار  كأنه كسوف وهن أقمار ، ويبكين عند التساؤل ويبدين الخشوع بعد التخايل ، والضياع قد غير صورهن ، وحيّر نظرهن ، وأقدامهن حافية وآثار نعيمهن عافية ، فأنشد يقول :

فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً  **      فساءك العيد في أغمات مأسوراً

ترى بناتك في الأطمار [61] جائعـة  **      يغزلن للناس ما يملكن قطميراً

برزن نحوك للتسليم خاشـعـة    **      أبصارهن حسيرات مكاسيرَ

يطأن في الطين والأقدام حافيـة   **      كأنها لم تطأ قبل مسكاً وكافورا[62]

أفطرت في العيد لاعادت مساوئه  **      فكان فطرك للأكباد تفطيراً

قد كان دهرك إن تأمره ممتثـلا   **      فردك الدهر منهياً ومأموراً

من بات بعدك في ملك يسرّ بـه  **      فإنما بات بالأحلام مغروراً [63]

ومن النادر العجيب أنه لما وافته المنية ونودى للصلاة عليه ، قال المنادى : الصلاة على الغريب . الصلاة على الغريب 0

الصلاة على الغريب

الغريب بعد أن كان ملء الأسماع والأبصار.

الغريب بعد أن كان لا يشق له غبار.

الغريب بعد أن اتسع ملكه وانتظم سلكه.

الغريب بعد أن ملك قرطبة وزهراءها وحكم أشبيلية وأنحاءها.

وهكذا حال الدنيا ، وسبحان من يرث الأرض ومن عليها.

لكل شئ إذا ما تم نقصـان   **     فلا يغر بطيب العيش إنسان

هى الأمور كما شاهدتها دول  **   من سره زمن ساءته أزمان

نماذج من القرن العشرين  :

أجمل وأشقى أمرأة في عالمها

اكتشف المحقق الذى يبحث في قضية انتحار الممثلة العالمية ( مارلين ... ) أشهر ممثلة في العالم ونجمة الإغراء في ( هوليوود ) معقل - السينما الأمريكية- اكتشف المحقق رسالة محفوظة في صندوق الأمانات في (بنك مانهاتن بأمريكا ) ألقت هذه الرسالة بعض الأضواء على انتحار هـــذه الممثلة العالمية التى كانوا يطلقون عليها ملكة الإغراء في ( هوليوود ) ولقد وجد على غلاف هذه الرسالة كلمة تطلب عدم فتح هذه الرسالة قبل وفاتها ، قام المحقق بفتح الرسالة فوجدها بخط الممثلة مارلين ، وهى موجهة إلى فتاة تطلب نصيحتها عن الطريق إلى التمثيل والأضواء

قالت مارلين في رسالتها : احذرى المجد !! احذرى كل من يخدعك بالأضواء !! إنى أتعس امرأة على ظهر الأرض ، لم أستطع أن أكون أما ، إن سعادة المرأة الحقيقية في البيت في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة ، بل إن هذه الحياة هى رمز سعادة المرأة  بل والمجتمع ،لقد ظلمنى كل الناس 00 إن العمل في السينما يجعل من المرأة سلعة رخيصة تافهة مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة  [64] .

هذا كلام ممثلة الإغراء العالمية التى ألهبت مشاعر الملايين في شتى بقاع الأرض بسائر ألوان الإغراء ولكنها ويا بؤسها :

سارت في موكب

: اليائسات المائسات 000ليائـسات المائـسات   000 كآلة من غير ريـح

الناشرات شذى ، ومن  000أعماقهن أذى يفوح

الضاحكات وقد طوين  000 قلوبهن على الجروح

آلامها الحرى ،  مـع   الزفرات في لهف تفوح

فخلف تمثيلها ورقصها وضحكاتها تكمن آلام نفسية مبرحة‍‍‍

ولسان حالها يقول

لا تحسبوا رقصى عندكم طرب    ما يرقص العصفور إلا من شدة الألم

أغنى وأشقى امرأة في عالمها

ويتمثل هـــذا النموذج في ظل حياة واقعية لامرأة تسمى ( كرستينا أوناسيس ) يونانيـــة الجنسية بنت المليونير المشهور( أوناسيس ) الذى يملك المليارات ويملك الجزر ، ويملك الأساطيل.

لقد مات أبوها ، ومن قبله ماتت أمها ، وبينهما مات أخوها ، فورثت هذه الفتاة من أبيها ما يزيد على ثلاثة  مليار دولار، وأسطولا بحرياً ضخماً ، وجزراً كاملة ، و أسطولا جويا ،وسلسلة مطاعم .

إن المقاييس العقلية المجردة بالنظر إلى هذه الثروة الهائلة تقضى بأن هذه المرأة أسعد امرأة في العالم 000 وكل من يسمع بها وبثرائها الفاحش يتمنى لو أنه ملك عُشر معشار هذه الثروة ليصبح سعيداً بهذا المال.

فهل عاشت هذه المرأة صاحبة الثروة الهائلة حياة سعيدة ؟.

الجواب : لا ، فلقد عاشت حياة التعاسة والشقاء ، كانت حياتها فصولا حافلة بالمحن المتوالية 000

فأمها : ماتت بعد حياة مأساوية في ظل حياتها الزوجية التي انتهت بالطلاق.

وأخوها :  مات في ريعان شبابه إثر سقوط طائرته التى كان يلهو بها .

أما أبوها : فقد اختلف مع زوجتـه الجديدة  ( جاكلين كنيدى ) زوجة الرئيس الأمريكى الراحل ، التى تزوجها بملايين الدولارات جرياً وراء الشهوة والشهرة ، ليقال إنه تـزوج بـزوجة الرئيس الأمريكى ’’ جون كنيدى ’’ ومع هذا فقد عاش معها في شقاء دائم.

ذلك ، لأن الانسجام الروحى في الحياة الزوجية معدوم تماماً ، والمال أضحى عنصر فساد في حياتهما ، فلقد تزوجها للشهرة ، وهى الأخرى تزوجته لغناه ، ووضعت بنوداً في عقد الزواج لتزداد حياتهما نكدا وشقاء ، من هذه البنود :

ليس له سلطان عليها ، بل لها أن تنطلق في الحياة بحريتها ، وليس من حقه محاسبتها.

أن ينفق عليها الملايين حسب رغبتها.

أن يكون لها الحق في طلب الفراق متى تشاء.

بنود مجحفة ، وكلها ضد مصلحة الزواج ، ومع هذا قبلها ليشرب من يدها كأس الذل والهوان ، فعاشا حياة ملتهبة بالخلافات التى حولت العش الزوجى إلى جحيم ، ثم انقضت حياته على سرير الشقاء ، لينقل منه إلى شقاء الآخرة.

ثم بدأت رحلة الشقاء بين ( جاكلين كنيدى ) بوصفها أرملة المتوفي وابنته ( كرستينا أوناسيس ) بصفتها الوريثة الوحيدة مع أرملة أبيها ، حيث دار الخلاف بينهما على المال والأعيان التى تركها ذلك الشقى ، ولم يسعد بها في حياته ، بل أشقته ، وتركها ليشقى بها ورثته من بعده.

كرستينا أوناسيس تشقى بمالها في ظل الحياة الزوجية :

بعد موت أبيها سعى إليها كل من يلهث وراء المال ليتقاسما ذاك الشقاء وكانت قد تزوجت في حياة أبيها برجل أمريكي ، عاش معها شهوراً ، ثم طلقها ، أو طلقته.

وبعد وفاة أبيها تزوجت برجل آخر يونانى ، وعاش معها شهوراً ثم طلقها ، أو طلقته.

ثم انتظرت طويلاً تبحث عن السعادة ، وإذا بحياة أشد شقاء في ظل الزوج الثالث الشيوعى الروسى ، تزوجها لتذوق في ظله مع الشقاء مرارة الحرمان من مالها.

والأمر عجيب !! أغنى امرأة في العالم ، التى تمثل الرأسمالية في ذروتها ، تقع في أحضان قمة الشيوعية في العالم ، وما أدراك ما الشيوعية ، فمن مبادئها أنها لا تسمح للفرد أن يعيش في رغد المال ، ولا تسمح بالتملك .

أسرع إليها الصحفيون فسألوها : أنت تمثلين الرأسمالية فكيف تتزوجين بشيوعي ؟.

فأجابت بقولها : أبحث عن السعادة ، نعم قالت : أبحث عن السعادة .

وهذا اعتراف صريح منها بأن ما تملكه من مال هو سبب شقائها وهى في ظله لا تشعر بالسعادة ، فانطلقت تبحث عنها فسقطت في بؤرة ينبعث منها لهيب الشقاء الذى أحرق قلبها.

ذهبت مع زوجها إلى روسيا ، وهناك نظام لا يسمح بامتلاك أكثر من غرفتين ، ولا يسمح بخادمة ، وتركت قصورها ، وجزرها ، وأساطيلها وخدمها وحشمها ، وعاشت في روسيا الشيوعية في غرفتين خادمة لزوجها ولبيتها ، فجاءها الصحفيون : فسألوها : كيف يكون هذا ؟.

قالت : أبحث عن السعادة .

ولم تستمر حياتها الزوجية أكثر من سنة ، ثم طلقها ، أو طلقته ، ورجعت إلى بلادها ، فأقامت حفلة في فرنسا ، وسألها الصحفيون : هل أنتِ أغنى امرأة ؟ قالت : نعم ، أنا أغنى امرأة ، ولكن أشقى امرأة !!

بعد ذلك تقدم لها أحد رجال الصناعة في فرنسا ، لتكون بذلك قد تزوجت بأربعة رجال من أربع دول باحثة عن السعادة ، تزوجت من ذاك الفرنسي ، ولم تمكث معه طويلاً ، فبعد أن أنجبت بنتاً طلقها أو طلقته.

ثم خيمت عليها التعاسة من جديد فعاشت بقية حياتها في هم وشقاء ، لم تشعر بلذة العيش يوماً واحداً حتى عثر عليها ميتة في شاليه في الأرجنتين ، ولا يعلم هل ماتت ميتة طبيعية أم أنها قتلت ؟ ثم انتقلت في مقبرة الشقاء الأخروى في جزيرة أبيها.

أميرة القلوب الجريحة

ولا يفوتني أن أتحدث عن أميرة القرن العشرين – الأميرة ديانا – التى كان حفل زفافها إلى ولى العهد البريطانى حفلا أسطوريا وعاشت حياة الترف والبذخ وأطلقت العنان للشهوات والملذات ، وكانت بجمالها ودلالها ملء الأسماع والأبصار ، وكانت تفاصيل حياتها حديث أجهزة الإعلام في شتى بقاع الأرض ، ثم كان طلاقها ومصيرها المحتوم ، صريعة مع عشيقها ليسدل الستار على الفصل الأخير من حياتها الناعمة البائسة لتكون عبرة لأولئك الحامين الواهمين العابثين اللاهثين وراء سعادة الوهم ، ووهم السعادة 0

وهكذا يتضح لنا معنى الخسارة الحقيقة التى تحيق بكل البعيدين عن منهج الله U أفراداً وأسراً ومجتمعات وأمما ، تشقى جميعاً وتبوء بالخسران حين تضل طريق النجاة ، طريق الإيمان والعمل الصالح والتواصى بالحق والصبر.

***********

خسارة الإنسانية !

ولا شك أن العالم أجمع خسر كثيراً بسبب بعد المسلمين عن دفة القيادة وعن موقع الصدارة والريادة ، فلقد عاشت البشرية أحقابا عديدة في ظلال إسلام تنعم بعدالته ورحمته وسماحته حين كانت الكلمة للمسلمين والغلبة لهم ، فما أحوج العالم إلى عودة المسلمين إلى دينهم ورجوعهم إلى سابق عهدهم.

يقول صاحب الظلال : [ فأين منها هذا الضياع الذى تعانيه البشرية اليوم في كل مكان ، والخسار الذى تبوء به في معركة الخير والشر ، والعماء عن ذلك الخير الكبير الذى حملته الأمة العربية للبشر يوم حملت راية الإسلام فكانت لها القيادة ثم وضعت هذه الراية فإذا هى في ذيل القافلة ، وإذا القافلة كلها تسعى إلى الضياع والخسار ، وإذا الرايات كلها بعد ذلك للشيطان ليس فيها راية واحدة لله ، وإذا هى كلها للباطل ليس فيها راية واحدة للحق ، وإذا هى كلها للعماء والضلال ليس فيها راية واحدة للهدى والنور ، وإذا هى كلها للخسار ليس فيها راية واحدة للفلاح !. ] [65]

وأختم هذا المبحث بهذه الأبيات ، مخاطبا بها أولئك الذين باعوا دينهم بعرض من الدنيا الزائلة ،والذين خسروا آخرتهم بدنيا غيرهم

قضى الله رب العالمين قضية       **    بأن الهوى يعمى القلوب ويبكم

فيا أيها القلب الذى ملك الهوى   **  أعنتـه حتـام هذا التلـوم

وحتام لا تصحو وقد قرب المدى  **  ودقت كئوس السير والناس نـوم

بلى سوف تصحو حين ينكشف الغطا ** ويبدو لك الأمر الذى كنت تكتم

ويا موقدا ناراً لغيرك ضوؤها       **  وحر لظاها بين جنبيك يضرم

أهذا جنى العلم الذى قد غرسته  **  وهذا الذى قد كنت ترجوه وتعلم

وهذا هو الحظ الذى قد رضيته      **        لنفسك في الدارين لو كنت تفهم

وهذا هو الربح الذى كسبته        **  لعمرك لا ربح ولا الأصل يسلم

بخلت بشئ لا يضرك بذله     **  وجدت بشئ مـثله لا يـقوم

وبـعت نعيماً لا انقضاء له       **  ببـخس عن قليل سيعدم

وتهدم ما تبنى بكفيك جاهداً       **  فأنت مدى الأيام تبنى وتـهدم

وتزعم مع هذا بأنك عارف     **  كذبت يقيناً في الذى أنت تزعم

وما أنت إلا جاهل ثم ظالم         **  وأنك بين الجاهلـين مقدم

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثالث

طــريـق الـنـجــــاة

 

تحدثنا فى المبحث السابق عن حقيقة الخسران وأسبابه ، وحجم الخسارة التى تحيق بكل بعيد عن الحق ، فلا يغنى عنه ماله ولا ينفعه سلطانه ولا يشفع له منصبه ، بل إن هذه المظاهر الدنيوية الزائلة تكون وبالاً عليه.

أما عن طريق النجاة فلقد رسمـــت هذه السورة معالمه وحددت مراسمه قال تعالى ] وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} ( ، هذا الطريق يقوم على الإيمان والعمل الصالح والتواصى بالحق والصبر وإصلاح النفس وإصلاح الغير ، إكمال النفس وتكميل الغير ، وفيما يلي نتحدث بشيء من التفصيل والبيان عن هذا الطريق.

المطلب الأول : الإيـــمـــان

أول الخطوات على طريق النجاة : الإيمان ، وهو فى اللغة مطلق التصديق ، وفي الشرع : عرفه الإمام الراغب : ( بأنه إذعان النفس بالحق على سبيل التصديق وذلك بإجماع ثلاثة أشياء : تصديق القلب ، وإقرار اللسان ، وعمل الجوارح وفقاً للتصديق والإقرار ) [66].

وعرفه الألوسى : بأنه : التصديق بما علم مجئ النبى e به ضرورة وتفصيلاً فيما علم تفصيلاً وإجمالاً فيما علم إجمالا ، وهذا مذهب جمهور المحققين  [67].

وقال ابن القيم : ( الإيمان حقيقة مركبة من معرفة ما جاء به الرسول e والتصديق به والإقرار به نطقاً ، والانقياد له محبة وخضوعاً ، والعمل به باطناً وظاهراً ، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان ) [68].

وقال صاحب المنار : ( الإيمان هو التصديق الجازم المقترن بإذعان النفس وقبولها واستسلامها ) [69].

والملاحظ فى هذه التعريفات أن بعضها قد اقتصر على بيان الحد الأدنى من الإيمان دون التعرض لمقتضيات الإيمان ومكملاته وثمراته ، وتوسع بعضها فى تفصيل ذلك .

والإيمان هو الأساس المتين والنبراس المبين الذي يضيء  جميع جوانب الحياة ، وهو الحارس الأمين الذي يدفع صاحبه إلى كل خير وبر ويمنعه من كل شر وإثم ، فلا قيمة للحياة بلا إيمان ولا وزن لأي عمل لا يلازمه الإيمان .

وللإيمان أركانه وشعبه ، أما الأركان فلقد بينها رسول اللهr فى حديث جبريل حين سأله عن الإيمان فقال ( الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره )[70] .

وأما عــن شعبه فهي كثيرة ولقد أشار r إلى بعضها فقال ( الإيمان بضع وستون شعبة ، أعلاها : قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان [71]).

والإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوارح ،

والإيمان هو خير الأعمال وأحبها إلى الله U لأنه هو أساس ومنبع كل خير ، ولا قيمة لأي عمل إلا به فالعمل بلا إيمان كالجسد بلا روح ، أو كالجسد بلا رأس والإيمان بدون عمل كالشجر بلا ثمر .

قال تعالى  { بسم الله الرحمن الرحيم  وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}

والإيمان نبراس مبين يضيء لصاحبه شتى دروب الحياة 0

قال تعالى  فى ســـورة الأنعام { أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }{122} .

فالحياة الحقيقية بالإيمان والنور المبين مقتبس منه يقول صاحب الظلال عن الإيمان في معرض حديثه عن سورة  " العصر" :

" نحن لا نعرِّف الإيمان هنا تعريفه الشرعي أو الفقهي ؛ ولكننا نتحدث عن طبيعته ، وقيمته في الحياة : إنه اتصال هذا الكائن الإنساني الفاني الصغير المحدود بالأصل الأزلي الباقي الذي صدر عنه الوجود ؛ ومن ثم اتصاله بالكون الصادر عن ذات المصدر ، وبالنواميس التي تحكم هذا الكون ، وبالقوى والطاقات المذخورة فيه . والانطلاق

حينئذ من حدود ذاته الصغيرة إلى رحابة الكون الكبير ، ومن حدود قوته الهزيلة إلى عظمة الطاقات الكونية التي لا حدود لها ، ومن قيود عمره القصير إلى امتداد الآباد التي لا يعلمها إلا الله رب العالمين [72] .

ويقول رحمه الله في موضع آخر : " إن الإيمان نور .. نور في القلب ونور في الجوارح ، ونور في الحواس ، نور يكشف حقائق الأشياء ، والقيم والأحداث وما بينها من ارتباطات ونِسَب وأبعاد ، فالمؤمن ينظر بهذا النور – نور الله – فيرى الحقائق

ويتعامل معها ، ولا يخبط في طريقه  ، ولا يتعثر في خطواته .

والإيمان بصر ، يرى رؤية حقيقية ، صادقة غير مهزوزة ، ولا مخلخلة ويمضي بصاحبه في الطريق على نور ، وعلى ثقة ، وفي اطمئنان . والإيمان ظل ظليل ، تستروحه النفس ويرتاح له القلب ، ظل من هاجرة الشك والقلق ، والحيرة في التيه المظلم بلا دليل .

والإيمان حياة ، في القلوب والمشاعر ، حياة في القصد والاتجاه .. كما أنه حركة بانية ، مثمرة ، لا خمود  فيها ، ولا همود ، ولا عبث فيها ولا ضياع [73].

والإيمان ليس مجرد معرفة ذهنية ، ولا مجرد حشو للذاكرة بعبارات ومصطلحات ، وتضييع الأوقات في معارك جدلية عقيمة لا تضيف إلى رصيد الإنسان الإيماني أي فائدة ، ولكنها تشتيت للذهن وتفريق للصف ومضيعة للوقت وإهدار للمال واستهلاك للطاقات  يقول الشيخ محمد الغزالى هناك إيمان ضرير لا يبصر الحياة ، ولا تسحره عجائبها، ولا تستهويه أسرارها. وهذا الإيمان يمكن أن تنسبه إلى أي مصدر غير القرآن العظيم الذي يحقق الإيمان البصير لا الضرير ، والإيمان الذي ينمو ويقوى بالتأمل فـي الكون ، ومطالعة آياته ، والتعرف على خفاياه [74].

والإيمان ليس مجرد شعارات تقال أو هتافات تردد " ولكنه يقين يستقر في القلب ، وعلم يملأ الصدر ، ونهج يمضي عليه المؤمنون .إنه جهد ، وبذل ، وعطاء ، وخشوع ، وإنابة ، وسلوك …… فصّل ذلك كله منهج الله تعالي تفصيلاً يقيم الحجة ويقطع الجدل ، ويسد أبواب الشرك والنفاق " [75] .

" إنه الإيمان الصادق الذي يقر في القلب تصديقاً ويقيناً ، ويفيض على الجوارح سلوكاً وعملاً . إنه الإيمان الذي يضيء القلب ، ويحرك الإرادة ، ويوجه العقول ، ويوظف الطاقات ليكون صورة عملية واقعية يتجلى فيها ليثبت وجوده ، ويترجم عن حقيقته .إنه الإيمان الذي يصلح القلوب ، ويهيئ النفوس ، ويصنع العجائب وينشئ الإنسان خلقاً آخر ، ويصبه في قالب جديد يغير هدفه ويهذب سلوكه وذوقه ونظرته للحياة" [76] .

وبالإيمان حياة القلوب ونور البصائر وجلاء الأفهام وبه تسمو الأرواح وتتآلف وتتعاطف  ، وتتفتق الأذهان وتتوقد القرائح وتنشط الجوارح ، وتعلو الهمم  وتنهض الأمم ، وهو السبيل إلى الحياة الآمنة المطمئنة الراضية المرضية الطيبة الكريمة قال تعالى { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ  }{97} سورة النحل وقــال تعالى { الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ  } {82} سورة الأنعام ،  { إن الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ  } {7} سورة البينة.

ولا قيمة للحياة ولا وزن لها إن لم يحكمها الإيمان  ، فإذا ارتقت الأمم وتقدمت مادًّيا وتخلفت إيمانياً فإنها إلى الفناء تصير مهما طال بقاؤها ، قال تعالى { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } {96}.

ويقول الشاعر محمد إقبال  :

إذا الإيمان ضاع  فلا أمان               ولا دنيا لمن لم يحي دينا

ومن رضى الحياة بغير دين              فقد جعل الفناء لها قرينا

والإيمان الذى تنهض به الأمة ليس المقصود به مجرد معرفة ذهنية ، وحواشى كلامية ، أو إضاعة للأعمار فى حوارات ومساجلات عقيمة ، وإنما هو الإيمان الحى العملى الصادق المخلص ، الذى ينير القلوب ويرهف الأحاسيس ويرقق المشاعر ويهذب النفوس ويحرك الوجدان وينشط الجوارح ويوجهها إلى العمل الصالح  ، الإيمان الذى يصنع البطولات والأمجاد ويغير النفوس ويقلب وجه التاريخ فى سرعة فائقة وفى تحول مذهل ، الإيمان الذى يحطم الأرقام والقياسات ويقلب الموازين والحسابات

يقول الدكتور / يوسف القرضاوى ( طالما قلت ، وسأظل أقول إن مفتاح شخصية هذه الأمة ومص  در طاقاتها هو الإيمان الذى جعل هذه الأمة من قبل خير أمة أخرجت للناس ، وحقق لها النصر على أعظم الإمبراطوريات فى الأرض على الرغم من قلة عددها وضعف عدتها ، وبهذا الإيمان انتصرت بعد هجمات التتار الزاحفين من الشرق ، والصليبيين الزاحفين من الغرب ، وبه تستطيع اليوم الانتصـــار على ورثة هؤلاء وهؤلاء )[77]

والإيمان هو سلاحنا المضاء فى مواجهتنا لأعدائنا وسبيلنا إلى التفوق عليهم :

يقول الأستاذ / سعيد حوى ، رحمه الله ( ولا شك أن الأمة الإسلامية الآن فى صراع خطير مع قوى الكفر التى تملك من أسباب القوى المادية الشئ الكثير ، وليس لدى الأمة الإسلامية من أسباب التفوق المادى ما يغنى ؛ فإذا لم يتحقق عندها التفوق الإيمانى فإن معركتها – لا محالة – خاسرة )[78].

فما أحوجنا إلى الإيمان بمفهومه الصحيح الشامل الذى ورد فى كتاب الله وسنه رسول r ، الإيمان الذى فهمه الصحابة الكرام والتابعون وتابعوهم بإحسان.

ما أحوجنا إلى إيمان خالص راسخ يعيد لنا مجدنا وعزنا 0

وصدق الشاعر هاشم الرفاعى :

ملكنا هذه الدنيا قــرونا   **     وأخضعها جدود خالدون

وسطرنا صحائف من ضياء   **      فمانسي الزمان وما نسينا

وما فتئ الزمان يدور حتى    **      مضى بالمجد قوم آخرون

وأصبح لا يرى بالمجد قومى  **      وقد عاشوا أئمتهم سنين

وآلمنى وألم كل حــــر   **    سؤال الدهر أين المسلمون

ترى هل يرجع الماضى فإنى  **      أذوب لذلك الماضى حنيناً

فهاتو لى من الإيمان نـورا   **      وقووا بين جنبي اليقين

فمد يديك وانتزع الرواسى    **    لتبنى المجد خفاقاً مبيناً[79]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الثانى      :  الـعـمــل الـصــالــح :

العمل الصالح خـطوة أساسية من الخطوات على طريق النجاة قال U فى سورة العصر ] إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ (.

ولقد ورد ذكر العمل الصالح  فى القرآن الكريم ما يقرب من 55 مرة ، وقد جاء دائماً مقترناً بالإيمان ، وهذا يدل على ارتباطهما الوثيق وتلازمهما المستمر ، فلا إيمان بدون عمل صالح يعبر عنه ويبرهن عليه ، ولا قيمة للعمل الصالح بدون إيمان يقوم عليه ويركن إليه ، فالإيمان بدون عمل كالشجر بلا ظل ولا ثمر.

والعمل الصالح بدون إيمان كالجسد بلا روح ، أو كالعرض بلا جوهر فلا إيمان بدون عمل ولا عمل بدون إيمان 0

وميادين العمل الصالح واسعة ومنتشرة فتشمل كل عمل صالح مثمر يلتمس منه صاحبه ويتحرى فيه رضا الله تعالى.

والإيمان والعمل الصالح هما السبيل إلى إصلاح النفس وكمالها وسعادة الإنسان فى الدنيا والآخرة ، قال تعالى ] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ {15}  ( سورة الجاثية.

والإيمـان والعمـل الصالـح همـا الســبيل إلى النصر والتمكين ، قال تعالى ] وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {55} ( سورة النور.

وقال U فى سورة  الأنبياء ] وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {105} ( .

والحياة الطيبة التى ينشدها الناس لا سبيل لها إلا بالإيمان والعمل الصالح قال سبحانه وتعالى فى سورة النحل { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {97} 0

المطلب الثالث   :             الـتـواصـــى بالـحـــق

التواصـى بالحـق : هو الخطوة الثالثة على طريق النجاة ، والحق هو الأمر الثابت الذى لا يسوغ إنكاره ، ولا زوال فى الدارين لمحاسن آثاره وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع كتبه ورسله [80].

والتواصـى بالحـق مـن صفات أهل الإيمان : قال تعالى ] وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ {71} (

ومـن مقـومات خيرية هذه الأمة ومعالم سبقها وتفوقها قال تعالى فى سورة آل عمران ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ {110} ( .

والتواصى بالحـــق هو السبيل إلى الفلاح فى الدارين قال تعالى فى سورة أى عمران ]  وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {104} ( .

أى لتكونوا أمة داعية إلى كل خير وبر.

روى الإمـام مسلم فى صحيحه عن ابى سعيد الخدرى t قال سمعت رسول الله e يقـول [ من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ] [81].

والتواصى بالحق من صفات أهل النصر والتمكين قال تعالى فى ســـورة الحج ] وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ {40} الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصلاَّةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ {41} ( .

والتواصى بالحق من أسباب النجاة قال تعالى فى قصة أصحاب السبت ] فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ {165} (  سورة الأعراف.

وترك التواصى بالحق من أسباب الهلاك ومن علامات ضعف الإيمان أو انتفائه ، قال تعالى فى سورة المائدة ]  لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ {78} كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ {79} ( .

عن ابن مسعود t قال : قال رسول الله e (عن عبد اللّه بن مسعود، قال:قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل فيقول: يا هذا اتق اللّه ودع ما تصنع، فإِنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب اللّه قلوب بعضهم ببعضٍ" ثم قال: {لُعن الذين كفروا منن بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم } إلـى قوله : { فاسقون }" ثم قال: "كلاَّ واللّه لتأمرن بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر ولتأخذنَّ على يدي الظالم ولتأطرنه (معناه لتردنه عن الجور) على الحقِّ أطراً ولتقصرنه على الحقِّ قصراً "[82].

وقال تعالى ] وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {25} (.

قال الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآية الكريمة : " المعنى أن تكون هناك فرقة من هذه الأمة متصدية لهذا الشأن ، وإن كان ذلك واجباً على كل فردٍ بحسبه " [83].

وقال الإمام الرازى وفى قوله تعالى ’ مِنكُمْ ’ قولان : أحدهما أن " من " هنا ليست تبعيضية ، وإنما للبيان كقوله تعالى فى سورة الحج  ] َفاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ {30} ( ، ويرجح كونها بيانية لا تبعيضية أمران :

الأول : أن الله تعالى أوجب الأمر بالمعروف والنهــى عن المنكر على كل الأمة فى قوله تعالى ] كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ {110} (  سورة آل عمران .

والثانى : أنه ما من مسلم مكلف إلا ويجب عليه الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إما بيده ، أو بلسانه أو بقلبه كل على حسب حاله[84] " فترك التواصي بالحق من أسباب الهلاك والخسران فى الدنيا والآخرة ، عن زينب بنت جحش رضي الله عنها:

أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر اقترب، فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه ) ، وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، قالت زينب بنت جحش: فقلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا كثر الخبث) [85].

وعن النعمان بن بشير t عن النبى e قال (سمعت النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا )  [86].

والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر من أنواع الصدقات التى ينبغى أن يبذلها المؤمن فى حياته اليومية.

 

عن أبي هريرة y :قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس". قال: " تعدل بين الاثنين صدقة. وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه، صدقة". قال: "والكلمة الطيبة صدقة. وكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة".[87]

وكلمة الحق من أنواع الجهاد ، بل ومن أفضله ، لما فيها من تضحية وفدائية ، عن أبى سعيد الخدرى t ، عن النبى e قال ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) [88].

فإذا جاد المؤمن بنفسه فى سبيل كلمة الحق نال أسمى مراتب  الشهادة فى سبيل الله.

عن جابر t عن النبى e  قال ( سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله  فنال الفوز والرضوان فى أعلى درجات الجنان )[89].

مواقف مضيئة فى تاريخنا الإسلامى

والتاريخ الإسلامي حافل بأروع الصور فى التمسك بالحق والثبات عليه مهما كلّف ذلك من تضحيات ، وفيما يلي نذكر بعض المواقف التاريخية لعلمائنا العاملين المخلصين الناصحين ، المتمسكين بالحق المناصرين له ، وللحكام الذين اتسعت صدورهم لقبول النصيحة ، بل وكانوا في أشد الحرص على سماعها والانتفاع بها .

بين أبى حازم  وسليمان بن عبد الملك :

 

مالنا نكره الموت !

 

لما قدم سليمان بن عبد الملك المدينة أرسل إلى عالمها العابد أبى حازم فلما دخل عليه

قال سليمان : يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟.

فقال : لأنكم خربتم آخرتكم وعمرتم دنياكم فكرهتم أن تنقلوا من العمران إلى الخراب.

فقال سليمان : كيف القدوم على الله ؟.

قال : يا أمير المؤمنين أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله وأما المسئ  فكالآبق يقدم على مولاه.

فبكى سليمان وقال : ليت شعرى مالى عند الله ؟.

قال أبو حازم : اعـرض نفسـك على كتاب الله حيث قال    } إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ {13} وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ {14} {[90] .

قال سليمان : فأين رحمة الله ؟.

قال : قريب من المحسنين.

قال : يا أبا حازم أى عباد الله أكرم ؟.

فقال : أهل البر والتقوى.

قال : فأى الأعمال أفضل ؟.

فقال : أداء الفرائض مع اجتناب المحارم.

قال : أى الكلام أسمع ؟.

فقال : قول الحق عند من تخاف وترجو.

قال : فأى المؤمنين أخسر ؟.

من باع آخرته بدنياه

قال ومن أخسر منه

قال من باع آخرته بدنيا غيره.

قال سليمان : ما تقول فيما نحن فيه ؟.

فقال : أو تعفينى ؟.

قال : لا بد فإنها نصيحة تلقها إلى .

فقال : إن آباءك قهروا الناس بالسيف وأخذوا هذا الملك عنوة من غير مشورة من المسلمين ولا رضا منهم ، حتى قتلوا منهم مقتلة عظيمة وقد ارتحلوا فلو شعرت بما قالوا وما قيل لهم.

فقال رجل من جلسائه : بئسما قلت.

قال أبو حازم : إن الله قد أخذ الميثاق على العلماء ليبيننه للناس ولا يكتمونه.

فقال سليمان : يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح الناس ؟.

قال : تدع الصلف وتستمسك بالعروة  وتقسم بالسوية.

قال : كيف المأخذ به ؟.

فقال : أن تأخذ المال فى حله وتضعه فى أهله.

قال : يا أبا حازم ارفع إلى حوائجك ؟.

قال : تنجني من النار وتدخلني الجنة ؟.

قال : ليس ذلك إلى .

فقال : فلا حاجة لى غيرها ، ثم قام فأرسل إليه بمائة دينار فردها إليه ولم يقبلها [91].

 

 

 

 

 

 

 

بين منذر بن سعيد البلوطي والخليفة الناصر :

 

واعظ الأندلس

 

أقبل الخليفة الأندلسي  عبد الرحمن الناصر على عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من أموال الدولة فى تشييدها وزخرفتها ما أنفق فشيد الكثير من القصور الفاخرة وكان يشرف بنفسه على شؤون البناء والزخرفة حتى شغله ذلك ذات مرة عن شهود صلاة الجمعة وكان الإمام منذر بن سعيد يتولى خطبة الجمعة والقضاء ورأى خروجاً من تبعة التقصير فيما أوجبه الله على العلماء ، أن يلقي على الخليفة الناصر درساً بليغاً يحاسبه فيه على إسرافه وبذخه في تشييد مدينة الزهراء ورأى أن يكون ذلك على ملأ من الناس فى المسجد بالجامع الكبير فلما كـان يوم الجمعة اعتلي المنبر والخليفة حاضر والمسجد غاصُُّ بالمصلين وابتدأ خطبته وقرأ قوله تعالى } أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ {128} وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ {129} وَإِذَا بَطَشْتُم بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ {130} فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ {131} وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ {132} أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ {133} وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ {134} إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ  {135} { سورة الشعراء .

ثم مضى فى ذم الإسراف على البناء بكل كلام جزل وقــول شديد ثم تلا قوله تعالى } أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {109 } {  سورة التوبة.

وراح يحذر وينذر ويحاسب حتى اعتبر من حضر من الناس وخشعوا وأخذ الناصر من ذلك بأوفر نصيب ، وقد علم أنه المقصود به فبكى وندم على تفريطه ، غير أن الخليفة لم يتسع صدره لتلك المحاسبة العلنية

فقال شاكياً لولده الحكم : والله لقد قصدنى بخطبته وما عنى بها غيرى فأفرط فى تقريعى ، ثم استشاط غيظاً عليه ، وأراد أن يعاقبه لذلك‌ .

فأقسم أن لا يصلى خلفه صلاة جمعة ، وجعل يلزم صلاتها وراء أحمد بن مطرَف خطيب جامع قرطبة.

ولكن لما رأى ولده الحكم تعلقه بالزهراء والصلاة فى مسجدها العظيم.

قال له :  فما الذى يمنعك من عزل منذر عن الصلاة به إذا كرهته ؟

ولكن الناصر زجره ، قائلا : ( أمثل منذر بن سعيد فى فضله وخيره وعلمه ( لا أمّ لك ) يعزل لإرضاء نفس ناكبة عن الرشد سالكة غير القصد ؟.

هذا ما لا يكون وإنى لأستحي من الله ألا أجعل بينى وبينه فى صلاة الجمعة شفيعاً مثل منذر فى ورعه وصدقه ولكن أحرجَنى فأقسمت ولوددت أن أجد سبيلاً إلى كفارة يمينى بل يصلى منـذر بالناس حياته وحياتنا إن شاء الله فما أظن أنا نعتاض منه أبداً ، ولما اشتدت الفجوة بين الشيخ منذر بن سعيد والخليفة عبد الرحمن الناصر نتيجة محاسبة المنذر له فى إسرافه فى بناء الزهراء ، أراد ولده الحكم أن يزيل ما بينهما فاعتذر له عند الخليفة.

فقال : يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح وما أراد إلا خيراً ، لو رأى حسن تلك البنية لعذرك [92] فلما قال له ولده ذلك أمر ففرشت بفرش الديباج وجلس فيها لأهل دولته.

ثم قال لقرابته ووزرائه : أرأيتم أم سمعتم ملكا كان قبلي صنع مثل ما صنعت ؟.

‍‍فقالوا : لا والله يا أمير المؤمنين ، وإنك الأوحد فى شأنك.

فبينما هو على ذلك : إذ دخل منذر بن سعيد ناكساً رأسه فلما أخذ مجلسه قال له ما قال لقرابته ، فأقبلت دموع المنذر تنحدر على لحيته لسوء ما رأى.

وقال : والله يا أمير المؤمنين ما ظننت أن الشيطان يبلغ منك هذا المبلغ ولا أن تمكنه من قيادتك هذا التمكن مع ما آتاك الله تعالى وفضلك به على المسلمين حتى ينزلك منازل الكافرين.‍‍

فاقشعر الخليفة من قوله .

وقال له : أنظر ما تقول كيف أنزلني الله منازلهم ؟.

فقال : نعم أليس الله يقول   } وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ {33}     { سورة الزخرف.

فوجم الخليفة ونكس رأسه ملياً وجعلت دموعه تنحدر على لحيته ثم أقبل على المنذر وقال له : جزاك الله خيراً وعن الدين خيراً فالذي قلت هو الحق.

ثم قام من مجلسه وأمر بنقض سقف تلك القبة  [93] .

 

 

بين العز بن عبد السلام ونجم الدين أيوب :

 

أمراء في الأسواق !!

لما تولى الإمام العز بن عبد السلام القضاء فى مصر أثار قضية من أغرب القضايا وهى قضية المماليك الذين كانوا أرقاء للعباسيين وأصبحوا أصحاب نفوذ وسلطان حتى  صاروا أمراء ، وأصحاب ثروات ضخمة ونفوذ كبير وتطلعات بعيدة .

وصرح الشيخ بأن هؤلاء المماليك ليسوا أحرارا، ولا يملكون التصرف في أموالهم ، فحكم الرق مستصحب عليهم لبيت مال المسلمين ، فبلغهم ذلك ، فعظم الخطب فيه واحتدم الأمر ، والشيخ مصمم لا يصحح لهم بيعاً ولا شراء ولا نكاحاً وتعطلت مصالحهم بذلك ، وكان من جملتهم نائب السلطنة فاشتاط غيظاً واجتمعوا وأرسلوا إليه.

فقال : نعقد لكم مجلساً وينادى عليكم لبيت مال المسلمين ويحصل عتقكم بطريق شرعي ، فرفعوا الأمر إلى السلطان فبعث إليه فلم يرجع فجرت من السلطان كلمة فيها غلظة ، حاصلها الإنكار على الشيخ فى دخوله فى هذا الأمر ، وأنه لا يتعلق به ، فغضب الشيح وحمل حوائجه على حمار ، وأركب عائلته على حمير أخرى ، وخرج من القاهرة قاصدا الشام فلم يصل إلى نحو نصف يريد  حتى لحقه غالب المسلمين -لم تكد امرأة ولا صبى ولا رجل لا يؤبه له يتخلف ولا سيما العلماء والصلحاء والتجار-  فبلغ السلطان الخبر ، وقيل له متى راح ذهب ملكك قبله ، فرجع واتفقوا معه على أن ينادى على الأمراء فأرسل نائب السلطنة بالملاطفة فلم يفد فيه فانزعج النائب.

فقال : كيف ينادى علينا هذا الشيخ ويبيعنا ونحن ملوك الأرض ؟ والله لأضربنه بسيفى هذا.

فركب بنفسه فى جماعة ، وجاء إلى بيت الشيخ ، والسيف مسلول فى يده فطرق الباب ، فخرج ولد الشيخ ، فرأى من نائب السلطنة ما رأى فعاد إلى أبيه وشرح له الحال ، فما اكترث لذلك ولا تغير.

وقال : يا ولـدى أبـوك أقـل من أن يقتل فى سبيل الله ثم خرج كأن قضاء الله قد نزل على نائـب السلطنة فحين وقع بصره على النائب يبست يد النائب وسقط السـيف منها وارتعدت مفاصله ، فبكى وسأل الشيخ أن يدعو له ، وقال يا سيدي خير أى شئ تعمل ؟.

قال : أنادى عليكم وأبيعكم .

قال : فمن يقبض الثمن ؟

قال : أنا فتم له ما أراد ونادى على الأمراء واحداً واحداً وغالى فى ثمنهم وقبضه وصرفه في وجوه الخير[94] 0

 

بين سلطان العلماء وسلطان مصر :

نقل ابن السبكى عن والده أنه سـمع شـيخه الباجى ( تلميذ العز )  يقول : طلع شيخنا عـز الدين مرة إلى السلطان ( نجم الدين أيوب ) فى يوم عيد إلى القلعة ، فشاهد العساكر مصطفين بين يديه ، وعاين ما السلطان فيه يوم العيد من الأبهة ، وقد خرج على قومه فى زينته على عادة سلاطين الديار المصرية ، وحوله الأمراء والوجهاء والعسكر ، فالتفت الشيخ إلى السلطان وناداه ، يا أيوب ، ما حجتك عند الله إذا قال لك : ألم أبوئ لك مُلك مصر ، ثم تبيح الخمور ؟ فقال : هل حدث هذا ؟ قال : نعم ، الحانة الفلانية يُباع فيها الخمور وغيرها من المنكرات ، وأنت تتقلب فى نعمة هذه المملكة ، يناديه كذلك بأعلى صوته والعساكر واقفون ، فقال : يا سيدى ، هذا أنا ما عملته ، هذا من زمان أبى ، فقال : أنت من الذين يقولون   }  بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ {22} { سورة الزخرف ، فرسم السلطان بإبطال تلك الحانة ، قال الباجى : - تلميذ الشيخ – لما جاء من عند السلطان ، وقد شاع الخبر ، يا سيدى كيف الحال ؟ فقال : يا بنى رأيته فى تلك العظمة ، فأردت أن أهينه لئلا تكبر نفسه فتؤذيه ، فقلت : يا سيدى أما خفته ؟ فقال : والله يا بنى ، استحضرت هيبة الله تعالى فصار السلطان قدامى كالقط [95].

فكان العز جريئاً ، ولا يبالى أن يخاطر بنفسه ، تنفيذاً لما يعتقد من جهة ، وقد كتبه فى رسالته "" ملحمة الاعتقاد "" والمخاطرة بالنفوس مشروعة فى إعزاز الدين ""  ، ثم قال فى رسالته للملك الأشرف : وبعد هذا فإننا نزعم أننا من جملة حزب الله ، وأنصار دينه وجنده ، وكل جندى لا يخاطر بنفسه فليس بجندى [96].

 

 

اذهب فقد أطلقنا يدك !

 

وعن أحمد بن إبراهيم المقرى قال ، كان أبو الحسين النورى رجلاً قليل الفضول لا يسأل عما لا يعنيه ولا يفتش عما يحتاج إليه وكان إذا رأى منكراً غيره ولو كان فيه تلفه فنزل ذات يوم إلى مشرعة تعرف بمشرعة الفحامين يتطهر للصلاة  فرأى زورقاً فيه ثلاثين دنا مكتوب عليها : لطف ، فقرأه وأنكره لأنه لم يعرف فى التجارات ولا فى البيوع شيئاً يعبر عنه بلطف ، فقال للدنان إيش فى هذه الدنان ؟ قال وإيش عليك امض فى شغلك فلما سمع النورى من الملاح هذا القول ازداد تعطشاً إلى معرفته فقال أحب أن تخبرنى إيش فى هذه الدنان ، قال وإيش عليك أنت والله صوفى وفضولى ، هذا خمر  للمعتضد يريد أن يتمم به مجلسه فقال النورى وهذا خمر فال نعم ، قال أحب أن تعطينى ذلك المدرى فاغتاظ الملاح عليه وقال لغلامه اعطه حتى أنظر ما يصنع فلما صارت المدرى فى يده صعد إلى الزورق ولم يزل يكسرها دنا دنا حتى أتى على آخرها إلا دنا واحداً والملاح يستغيث إلى أن ركب صاحب الشرطة فقبض على النورى وأشخصه إلى حضرة المعتضد وكان المعتضد سيفه قبل كلامه ولم يشك الناس فى أنه سيقتله ، قال أبو الحسين فأدخلت عليه وهو جالس على كرسى حديد وبيده عمود يقلبه ، فلما رآنى قال من أنت قلت محتسب قال ومن ولاك الحسبة قلت الذى ولاك الإمامة ولانى الحسبة يا أمير المؤمنين ، قال فأطرق إلى الأرض ساعة ثم رفع رأسه إلىّ وقال ما الذى حملك على ما صنعت ؟ فقلت شفقة منى عليك إذ بسطت يدى إلى صرف مكروه عنك فقصرت عنه قال فأطرق مفكراً فى كلامى ثم رفع رأسه إلىّ وقال كيف تخلص هذا الدن الواحد من جملة الدنان فقلت فى تخلصه علة أخبر بها أمير المؤمنين إن أذن فقال هات خبرها ، فقلت يا أمير المؤمنين إنى أقبلت على الدنان بمطالبة الحق سبحانه لى بذلك وغمر قلبى شاهد الإجلال للحق وخوف المطالبة فغابت هيبة الخلق عنى فأقدمت عليها بهذه الحال إلى أن صرت إلى هذا الدن فاستشعرت نفسى كبراً على أنى أقدمت على مثلك فمنعت ولو أقدمت عليه بالحال الأول وكانت ملء الدنيا دنانا لكسرتها ولم أبال ، فقال المعتضد اذهب فقد أطلقنا يدك غيّر ما أحببت أن تغيره من المنكر[97].

لكنا ننبه إلى أن التغيير باليد له ضوابطه وأحكامه وآدابه التي لاينبغي أن يغفل عنها المحتسب ، ومنها أن لا يؤدي إلى منكر أعظم منه ، وأن لا يتجاوز الهيئات المختصة ، وغير ذلك من الضوابط والأحكام التي لا يتسع الممقام لذكرها.

المحتسب الخياط !

 

**   وقال القاضى أبو على المحسن على التنوخى فى كتابه الفرج بعد الشدة :

حدثني أبو الحسين محمد بن عبد الواحد الهاشمي : أن شيخاً من التجارقال : كان لي عند بعض القواد مال جليل فماطلني واستخف بي  ، فقال لى بعض إخواني :  قم معي الساعة ، فقمت معه فجاء بى إلى خياط في سوق الثلاثاء وهو جالس يخيط ويقرأ القرآن في مسجد فقص عليه قصتي فقام معنا فلما مشينا تأخرت وقلت لصديقي : إنك قد عرضت هذا الشيخ ونفسك وإياي لمكروه عظيم هذا إذا حصل على باب الرجل صُفِعَ  وصُفِعْنَا معه  ؟! فضحك الرجل وقال : لا عليك امش واسكت ، فجئنا إلى باب القائد فحين رآه غلمانه أعظموه ، وأهووا لتقبيل يده ، فمنعهم من ذلك وقالوا : ما حاجتك أيها الشيخ فإن صاحبنا راكب ؟ فإن كان أمراً نعلمه نحن بادرنا إليه وإلا فادخل واجلس إلى أن يجئ فقويت نفسي فدخلنا وجاء الرجل ، فلما رأى الخياط أعظمه إعظاماً تاماً وقال : لست أخلع ثيابي حتى تأمر بأمرك ، فخاطبه فى أمري ، فقال : والله ما عندي إلا خمسة آلاف درهم فتسأله أن يأخذها ورهنا بباقى ماله إلى شهر ، فبادرت بالإجابة فأحضر الدراهم وحُلياً بقيمة الباقي فقبضت ذلك وأشهدت الخياط ورفيقي عليه إلى شهر يكون الرهن عندي على البقية فإن حان الأجل ولم يسدد فأنا وكيل أبيع وآخذ مالى من ثمنه وخرجنا ، فلما بلغنا إلى موضع الخياط طرحت المال بين يديه ، وقلت يا شيخ : إن الله تعالى قد رد هذا المال بك ، فأحب أن تأخذ ربعه ، أو ثلثه ، أو نصفه بطيب قلب منى ، فقال ما أسرع ما كافأتني عن الجميل بالقبيح ؟! انصرف بمالك بارك الله لك فيه ، فقلت له : قد بقيت لى حاجة فقال : قل ، قلت : تخبرنى عن سبب طاعة هذا لك بعد تهاونه بأكثر أهل المملكة ؟ فقال يا هذا : قد بلغت مرادك فلا تقطعني عن شغلي ، فألححت عليه فقال : أنا رجل أؤم وأقرئ في هذا المسجد منذ أربعين سنة ، ومعاشي هذه الخياطة لا أعرف غيرها وكنت منذ دهر قد صليت المغرب وخرجت أريد منزلي فاجتزت بتركى كان فى هذه الدار ، وامرأة جميلة تجتازه فتعلق بها وهو سكران ليدخلها داره وهى ممتنعة تستغيث وليس أحد يغيثها ولا يمنعه منها ، وتقول في جملة كلامها : قد حلف زوجي بطلاقي أن لا أبيت إلا عنده ، فإن بيتنى هنا حرمني مع ما يرتكبه منى من المعصية ، قال فجئت إلى التركى ورفقت به وسألته تركها فضرب رأسي بدبوس فشجني وأدخل المرأة  داره فصرت ، إلى منزلي فغسلت الدم وشددت الشجة وخرجت أصلى عشاء الآخرة ، فلما فرغت منها قلت لمن حضر قوموا معي إلى عدو الله هذا التركي ننكر عليه ، ولا نبرح أو يخرج المرأة ، فقاموا وجئنا فصحنا على بابه فخرج علينا في عدة من غلمانه وأوقع بنا ، وقصدني من دون الجماعة  فضربني ضرباً عظيماً حتى كدت أتلف منه فحملني الجيران كالتالف فعالجني أهلي ونمت نوماً ثقيلاً وفقت نصف الليل ، فقلت : هذا قد شرب طول ليلته ، ولا يعرف الأوقات فلو أذنت لوقع له أن الفجر قد طلع فأطلق المرأة  فلحقت بيتها قبل الفجر فسلمت من إحدى المكروهين فخرجت إلى المسجد متحاملاً وصعدت المنارة فأذنت ، وجعلت أتطلع منها إلى الطريق أراقب خروج المرأة فإن خرجت وإلا أقمت الصلاة لكي لا يشك في الصياح فيخرجها فما مضت إلا ساعة والمرأة عنده إلا وقد امتلأ الشارع خيلا ورجلا ومشاعل وهم يقولون : من هذا الذي أذن الساعة أين هو ؟ ففزعت وسكت ثم قلت أخاطبهم لعلى أستعين بهم على إخراج المرأة فصحت من المنارة أنا أذنت ، فقالوا : أجب أمير المؤمنين ، فقلت دنا الفرج ، فنزلت وأدخلت على أمير المؤمنين فلما رأيته هبته ، وارتعدت فسكّن منى وقال : ما حملك على أن تغرر بالمسلمين بآذانك في غير وقته ، فيخرج ذو الحاجة في غير حينها ، ويمسك المريد للصوم فى وقت قد أبيح له فيه الإفطار ، وينقطع العسس عن الطواف والحرس ، فقلت : فليؤمنني أمير المؤمنين لأصدق ، قال : أنت آمن ، فقصصت عليه القصة وأريته الضرب ، فقال : يا بدر على بالغلام والمرأة في هذه الساعة ، وعزلت في موضع ، ومضى بدر وأحضر الغلام والمرأة فسألها المعتضد عن الصورة فأخبرته بمثل ما قلته ، فقال لبدر : يا بدر أرسلها الساعة إلى زوجها مع ثقة يدخلها دارها ويشرح لزوجها خبرها ، ويأمره عنى بالتمسك بها والإحسان إليها ، ثم استدعاني فوقفت وجعل يخاطب الغلام وأنا قائم أسمع الكلام ، فقال له : يا فلان كم جرايتك فى كل سنة ؟ قال كذا وكذا ، قال : وكم عطاؤك ؟ قال كذا وكذا ، قال فما كان لك فيهن وفى هذه النعمة العظيمة العريضة كف عن ارتكاب معاصي الله تعالى وخرق هيبة السلطان حتى استعملت ذلك وتجاوزته بالوثوب على من أمرك بالمعروف ؟! قال : فأسقط الغلام فى يده ولم يدر جواباً ، فقال : هاتوا جوالقاً ومداق الجص وقيداه وغلاه ، فقيدوه وغلوه وأدخلوه الجوالق ودقوه بمدق الجص وأنا أرى ذلك وهو يصيح ثم انقطع صوته ومات فأمر به فغرق فى دجلة ، وتقدم لبدر بحمل ما فى داره ، ثم قال لى يا شيخ أى شئ رأيت من أجناس المكـروه ولو على هذا وأومى بيده إلى بدر فالعلامة بيننا أن تؤذن فى هـذا الوقت ، فإني أسمع صوتك وأستدعيك وأفعـل مثل هـذا بمن لا يقبل منك أو يؤذيك ، قال فدعوت له وانصـرف ، وانتشـر الخبر عند الأولياء والغلمان فما خاطبت منهم أحدا بعدها فى إنصاف أحد ، أو كف عن قبيح إلا طاوعني خـوفاً من المعتضد ، وما احتجت أن أؤذن إلى الآن [98].

ومن هذه المواقف يتضح لنا مدى إجلال الحكام للعلماء الناصحين واستفادتهم بنصحهم كما نرى صورا للعالم المخلص الذي لايخشى في الله لومة لائم ، فما أحوج العلماء إلىتنسم عبير الحرية، حتى يقولوا كلمتهم ،وتجد آذانا صاغية يسري إليها الحق فتحيا به ،وتسعد البلاد وينعم العباد 0

تنبيه مهم !

علل واهية

يتعلل كثير من المتقاعسين عن فريضة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بقوله تعالى ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ {105} ( سورة المائدة ، حيث يتوهمون أن هذه الآية تتضمن إعفاءهم من هذه المسئولية ، ولقد بدّدّ أبو بكر الصديق t هذا الوهم ورد على هذه الشبهة في خطبة له حين أحسّ بتسرب هذا الوهم وترسبه في قلوب بعض العوام فردهم إلى  الفهم الصحيح للآية فقال: يا أيُّها النَّاسُ إنَّكُم تقرأونَ هذهِ الآية {يا أيُّها الَّذينَ آمنُوا عَليكُمْ أنفُسَكُمْ لا يُضرُّكُمْ من ضَلَّ إذا اهتَدَيتُمْ) .

وإنِّي سمعتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلِيهِ وسَلَّم يقول ( إنَّ النَّاسَ إذا رأوا الظَّالمَ فلم يأخُذُوا على يديهِ أوشَكَ أنْ يَعُمهُمُ اللهُ بعقابٍ منهُ) .) [99].

وعَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ؛ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخشَنِيَّ؛ قَالَ: قُلْتُ كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هذِهِ الآية؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قَلْتُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُركُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ. قَالَ: سَأَلْتُ عَنْهَا خَبِيراً. سَأَلْتُ عَنْها رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ. وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ. حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحّاً مُطَاعاً. وَهَوىً مُتَّبَعاً. وَدُنْيَات مُؤْثَرَةً. وَإعْجَابَ كَلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ. وَرَأَيْتَ أَمْراً لاَ يَدَانِ لَكَ بِهِ، فَعَلَيْكَ خُوَيْصَّةَ نَفْسِكَ. فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ. الصَّبْرُ فِيهِنَّ علَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْرِ. لَلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْل أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلاً يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ )[100]

والملاحظ أن المصطفى e وهو الذى لا ينطق عن الهوى إنما يتبع ما أوحى إليه من ربه – الملاحظ أنه فسر الآية وفقا لمرحلتين تمر بهما الدعوة الإسلامية الأولى أهون وأخف وطئاً من الثانية ، ففى الحديث الأول إشارة إلى المرحلة الأولى حيث يوجد المنكر فلا ينكر مع القدرة على إنكاره ، فيكثر الخبث فيهلك الناس كما فى حديث زينب بنت جحش حين قالت لرسول الله e متعجبة أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال ( نعم إذا كثر الخبث ) [101].

وهذه المرحلة تمر بها الدعوة الإسلامية في كثير من البلدان حيث انتشار المنكرات ، وكثرة الخبث ، والمجاهرة بالمعاصى والتباهى بارتكابها ، والسلبية المتفشية بين الناس مع قدرة البعض على إنكار المنكر ، لا سيما العلماء وما أكثرهم ولكن الناصحين قليل ، أما الباقون فمنهم من أصيب بالإحباط واليأس ، ومنهم من طرق أبواب السلاطين فباعوا دينهم بعرض زائل ، ومنهم من شغلته هموم الدنيا عن هموم الدين ومشكلات الدعوة.

أما المرحلة الثانية وهى مرحلة الشح المطاع والهوى المتبع والأثرة والأنانية وحب الدنيا والتعلق بحبالها البالية والتعصب للرأى والإعجاب به والتغافل عما سواه ، فإن هذه المرحلة التى يرخص فيها للمؤمن بأن يعتزل الناس لم يحن أوانها وإن كان هناك شئ من التطابق بينها وبين واقعنا إلا أنه لا ينطبق تماماً على هذه المرحلة التى يرخص فيها بأن يلزم المؤمن نفسه ولا ينشغل بأمر العوام ، طالما أغلقت جميع أبواب الإصلاح ، وصُمّت الآذان عن الحق الصراح ، ولم ينل أهله إلا الأذى ولم يجنوا سوى الأشواك ولم ينالوا إلا الجراح ، بعد أن بذلوا كل ما في وسعهم وقدّموا كل ما لديهم .

يقول ابن مسعود t عن تفسيره تلك الآية ( إن هذا ليس وقتها إنها اليوم مقبولة ولكن قد أوشك أن يأتى زمانها تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا ، وتقولون فلا يقبل منكم ، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم ) [102].

ويستفاد من الآية الكريمة أن المؤمن إذا قام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فلم يستجب المدعـو فلا عتب عليه ولا إثم ، لأن الهداية من الله لا دخل لأحد فيها ، قال تعالى ]  إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ {56 } ( سورة القصص.

 

المطلب الرابع  : التواصى بالصبر :

وهو الركن الرابع من أركان النجاة ، قال تعالى ] وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ ( .

وفى تخصيص هذا الركن بالذكر مع اندراجه تحت الإيمان إشارة إلى أهميته ومزيته فهو السبيل إلى التحلى والثبات على كل الفضائل ، سيما وطريق الحق محفوف بالعقبات والأشواك والسدود ، والمصاعب والمتاعب والقيود ، ولا سبيل لمواصلة السير عليه إلا بالصبر الجميل.

من هنا ندرك لماذا ورد الحديث عن الصبر فى مواضع كثيرة من كتاب الله U ؛ وذلك لحاجة المؤمن دائماً إلى أن يتزود بهذا الـزاد الإيماني وأن يقتبس منه ما يضئ له دروب حياته ، والصبر مطلوب ومرغوب فى جميـع الأحوال فى البأساء والضراء ، وفى النعماء والرخـاء ، والصـبر عن المعاصى والصبر فى الطاعات.

لذلك ورد ذكر الصبر فى كثير من سور القرآن المكية والمدنية فالصبر مطلوب فى كل حال وضرورة فى جميع مراحل الدعوة وأساس فى جميع مراحل التربية والجهاد.

ولقد ورد ذكر مادة الصبر  فى 87 موضع من كتاب الله.

وفى هذا كما ذكرنا إشارة إلى أهمية الصبر وفضيلته وضرورته والحاجة إليه فى كل الأحوال.

فالصبر ضرورة دنيوية كما أنه ضرورة دينية.

فلا نجاح فى الدنيا ، ولا فلاح فى الآخرة إلا بالصبر.

فى الدنيا لا تتحقق الآمال، ولا تنجح المقاصد ، ولا يؤتى عملّ أُكُله إلا بالصبر ، فمن صبر ظفر ، ومن عدم الصبر لم يظفر بشئ ، لولا صبر الزارع على بذره ما حصد ولولا صبر الغارس على غرسه ما جنى ، ولولا صبر الطالب على درسه ما تخرج ، ولولا صبر المقاتل فى ساح الوغى ما انتصر " [103].

وما النصر إلا صبر ساعة

وتنقضي الحرب محموداً عواقبها

للصـابريـن وحظ الهـارب النـدم

" وهكذا كل الناجحين فى الدنيا إنما حققوا آمالهم بالصبر ، استمرأوا المر ، واستعذبوا العذاب ، واستهانوا بالصعاب ، ومشوا على الأشواك ، وحفروا الصخور بالأظافر ، ولم يبالوا بالعقبات والصعوبات ، بل مضوا فى طريقهم سائرين0000

وقلّ من جدًّ فى أمر يحاوله * واستصعب الصبر إلا فاز بالظفر" [104]

**  فالصبر من عزائم الأمور : أي من أصعبها وأشقها على الإنسان ، لأنه حبس النفس على ما تكره والثبات أمام المصاعب والمصائب فتجرعه واستعذابه من عـزائم الأمور قال تعالى فى سورة الشورى ] وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {43} (.

**  ومن وصايا لقمان لابنه كما أخبر القرآن ] يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ {17} ( سورة لقمان

**  ولما كان الصبر من عزائم الأمور نال به صاحبه المعية الربانية قال تعالى فى سورة الأنفال ] وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {46} ( .

**  ولا ينال محبة الله إلا من أحبه ورضى عنه ، والله تعالى يحب الصابرين ، والصابر محب لله يصبر ابتغاء مرضاته ، قال تعالى ] وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} (  سورة آل عمران.

**  ومن أحبه الله فهو جدير بنصره وتأييده ومدده ، قال تعالى ]  بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُم مِّن فَوْرِهِمْ هَـذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُم بِخَمْسَةِ آلافٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ {125} (  سورة آل عمران  0

**  ولما كان الصابر فى معية الله وكنفه ، يحبه الله وينصره ويؤيده حق له النجاة من الخسران والفوز بالرحمة والرضوان قال تعالى ] وَالْعَصْرِ {1} إِنَّ اْلإنسَانَ لَفِي خُسْرٍ {2} إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}‏ (  ، وقال تعالى ] وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157}(  سورة البقرة ، وقال تعالى ] وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} ( سورة الرعد ، وقال تعالى ] إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ {10}‏ (  سورة الزمر.

**  ومن ثمرات الصبر مع اليقين : التمكين والإمامة فى الدين قال تعالى ] وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {24} ( سورة السجدة.

**  الصبر مع التقوى : سبيل للتحصين من كيد الأعداء قال تعالى ] إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ {120} ( سورة آل عمران.

وهـذا نبى الله يوسف u بصبره وتقواه نجاه الله U من كيد إخوته ومن كيد امرأة العزيز ومن كيد النسوة 0

قال تعالى  مخبراً عن كلام يوسف u مع إخوته  }  قَالَ هَلْ عَلِمْتُم مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ {89} قَالُواْ أَإِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {90} {  سورة يوسف.

**  الصبر مع الشكر :  من صفات أهل العظة والاعتبار الذين يتفكرون فى آيات الله الكونية وفى سننه الربانية وأحوال الأمم السابقة ومآلهم ] وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {5}‏ ( سورة إبراهيم .

وقـال U عن قوم سبأ ] فقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {19} (.

وقال تعالى فى سـورة الشورى } وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ {32} إِن يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ {33} { .

**  والصبر على أذى العدو واضطهاده ، والهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان ، والجهاد والصبر على ذلك كله من أسباب المغفرة والرحمة قال تعالى فى سورة النحل } ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ {110} { .

**  والصبر ثلاثة أنواع : صبر بالله ، وصبر لله ، وصبر مع الله  0

فالصبر بالله فالمنعم بالصبر والمعين عليه هو الله تعالى 0

قال سبحانه في سورة النحل] وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بالله {127} (  ،  فالله تعالى يمنح الصبر ويثبت عليه ،

والصبر لله : لأن المؤمن يصبـر إرضاء لله وتقرباً إليه قال تعالى ]  وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22} ( سورة الرعد

 

والصبر مع الله :  هو دوران العبد مع مراد الله منه تعالى يصبر على البلاء ، ويصبر عن المعاصى ، ويصبر على الطاعات ، قال ابن القيم : [ الثبات مع الله ، وتلقى بلائه بالرحب والدعة وقيل هو الثبات على أحكام الكتاب والسنة ، وقيل :

الصبر مثل أسمه ، مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل.

وقيل :" الصبر هو ترك الشكوى"  ] [105] .

وكل هذه الأقوال تتناول أنواعاً وأحوالاً للصبر والصابرين ، وهناك فرق بين شكوى الله والشكوى إلى الله فالأول مذموم والثانى محمود ، قال تعالى فى سياق الحديث عن يعقوب u ] قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ {18} 0

وقال تعـــالى { قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ {83} وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ {84} قَالُواْ تَالله تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ {85} قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ {86}‏  }

وقال تعالى فى سياق الحديث عن صبر أيوب u على البلاء سنوات طوال ثم توجهه إلى الله U لرفـع البلوى ] وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ {83} ( سورة الأنبياء.

فالشكوى إلى الله أمر محمود ، أما الشكوى إلى غيره فهى شئ مذموم وفى ذلك يقول الشاعر :

وإذا دهتك مصيبة فاصبر لها      **    صبر الكريم فإنه بك أرحم

وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما     **    تشكو الرحيم إلى الذى لا يرحم

 

**  وعن درجات الصبر يقول ابن القيم :

الصبر على ثلاث درجات :

الدرجة الأولى : الصبر عن المعصية بمطالعة الوعيد : إبقاء على الإيمان وحذراً من الحرام ، وأحسن منها الصبر عن المعصية حياء 000.

الدرجة الثانية : الصبر على الطاعة ، بالمحافظة عليها دوماً ، وبرعايتها إخلاصاًُ ، وبتحسينها علماً .

الدرجة الثالثة : الصبر فى البلاء ، بملاحظة حسن الجزاء ، وانتظار روح الفرج ، وتهوين البلية بعدّ أيادي المنن ، وبذكر سوالف النعم ، ويحكى عن امرأة من العابدات أنها عثرت فانقطعت إصبعها ، فضحكت فقال لها بعض من معها : أتضحكين وقد انقطعت إصبعك ؟ فقالت : حلاوة أجره أنستني مرارة ذكرها " [106].

وورد أن حاتم الأصم بلغه أن معاذا الكبير أصابته مصيبة فأعلن الحداد ولبس السواد واستدعى النائحات وكسر الأواني  فاتفق حاتم الأصم مع تلميذ له أن يذهبا إليه ، وأن يسأله إذا جلسا عنده عن تفسير قوله تعالى } إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} { سورة العاديات.

فلما ذهبا إليه ودخلا عليه بادر التلميذ بالسؤال فقال حاتم : ليس هذا وقت السؤال ، فسكت التلميذ برهة ، ثم أعاد السؤال فقال شيخه حاتم : ليس هذا وقت السؤال ، ثم أعاد التلميذ السؤال مرة ثالثة فأجاب حاتم معنى } إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ {6} { أى عداد للمصائب ، نسّاء للنعم مثل معاذ هذا ، ابتلاه الله بالنعمة عشرين سنة فلم يفكر فى جمع الناس عليها ، فلما ابتلاه U بهذه المصيبة جمع النائحات وأعلن الحداد ، فخجل معاذ من صنيعه وندم عليه وتاب إلى الله تعالى ورضى بقضائه "

**  الصبر على طريق الدعوة :

طريق الدعوة طريق محفوف بالمخاطر والعقبات والمحن والإبتلاءات ، والفتن والمنعطفات ، لذلك كان الصبر عليه أصعب أنواع الصبر ، الصبر على بُعد الشقة ، وشدة المشقة ، الصبر على مكائد أعداء الدعوة ، الصبر على قلة الزاد وبعد الطريق.

قال تعالى }  أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ {142} { سورة آل عمران.

وقال تعالى فى سورة آل عمران }  لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ {186}  { .

قــال تعالى فى سورة العنكبوت } الم {1} أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ {3} {.

وقال تعالــى } وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ {31} { سورة محمد.

وفى قصـة إيمان السحـرة وردّهم على تهديدات فرعون لهم بتقطيـع أطـرافهـم وصلبهـم يقـول تعـــالى فى ســــورة الأعراف }  قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {125} وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {126} وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ {127} قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {128} {.

**  الصبر على أذى الناس :

ومن أنواع الصبر أيضاً الصبر فى التعامل مع الناس وتحمل أذاهم ومقابلة الإساءة بالإحسان قال تعالى فى سورة فصلت } ولا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ ولا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {35} { ، وقال e (المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم ) [107].

**  الصبر فى الجهاد : قال U فى سورة البقرة}    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ {153} {

ولقد قيل بين النصر والهزيمة صبر ساعة  .

وتنقضى الحرب محموداً عواقبها    للصابرين وحظ الهارب الندم.

**  الصبر على البلاء : فقد يبتلى المؤمن بالخوف أو الجوع والفقر والحرمان من الأهل والخلان ، ونقصان الأموال ، لكنه يستقبل أمواج المحن وأعاصير البلاء بالصبر الجميل ، قال تعالى فى سورة البقرة } وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ {156} أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ {157} {.

**  الصبر فى طلب العلم : فلا سبيل إلى طلب العلم إلا بالصبر ، فالصبر يضئ لطالب العلم طريقه ، وهو زاد لا يستغنى عنه ، وخلق كريم لا بد وأن يتحلى به ، صبره على مشقة الترحال إلى الشيوخ وطل المكث عندهم  والتأدب معهم ، وصبره على المذاكرة والتحصيل ، وفى قصة موسى  والخضر دار هذا الحوار بين نبى الله موسى وبين الخضر عليهما السلام قال تعالى فى سورة الكهف } قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا {66} قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا {67} وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا {68} قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا {69} { .

**  الصبر على العبادة : قال تعالى فى سورة طه } وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى {132} { . وقال تعالى فى سـورة  مريم } رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا {65}  { .

**  الصـبر فى الشدائد وعند لقاء الأعداء : قال U فى سـورة الأنفال } يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ {45}‏وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ  } {46}

وقال U فى سـورة البقـرة في ســياق الحديـث عــن أوصاف أهل البر { وَالصَّابِرِينَ ِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ {177} { .

**  الصبر فى معاملة الناس ومخالطتهـم بالمعروف : قال U فى سورة الأعراف }  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ {199} { ، وقال تعالى فى سورة فصلت } وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ {35} { .

**  الصبر فى صحبة الأخيار الذين تسمو بهم الهمم : قال تعالى فى سورة الكهف } وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا {28} {.

**  الصــبر على المصائـب والبلايــــا : قال U فى ســورة البقرة } وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ {155} { [108].

السبيل إلى تحصيل الصبر والثبات عليه :

الصبر منحة من الله سبحانه وتعالى ويثبت عليه ، ويجب على كل راغب فى الصبر أن يطلبه من الله U ، فيتوجه إليه بخالص الدعاء كما فعل سحرة فرعون بعد إيمانهم وتصدي وتحدي فرعون لهم قال تعالى فى سورة الأعراف } 000 قَالُواْ آمَنَّا بِرِبِّ الْعَالَمِينَ {121} رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ {122} قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُم بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ {123} لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ {124} قَالُواْ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُونَ {125} وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ {126} {.

فالصبر من الله وبالله ، قال تعالى فى سورة النحل } وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِيــنَ هُـم مُّحْسِنُونَ {128} { .

ولا بد للصابر أن يكــون مبتغياً بصبـره مرضاة ربه قال تعالى فى سورة المدثر }  وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ {7} { أى فليكن صبرك لربك ، وقال U فى سورة الرعد } وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ {22}{    فإذا كان الصبر لله أعان الله عليه ويسر السبيل إليه ، واليقين بما وعد الله للصابرين من أجر عظيم وثواب جزيل والتأسى بالأنبياء عليهم السلام ، فلقد قدموا لنا أروع الأمثلة فى الصبر والثبات ، قال تعــالى فى سورة الأحقاف }  فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل {35} {      ،  وقال U  فى سورة الأنعام }  قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ {33} وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ {34} { .

**  الاجتهاد فى العبادة والمداومة على الذكر :   قــال تعالى فى سورة الطور } وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ {48} { .

**  استحضار سنن الله تعالى التى لا تتبدل ولا تتحول : قال تعالى فى ســورة آل عمران }  وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ {144} وَمــَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَابًا مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَـوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ {145} وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ {146} { .

**  التواصى بالصبر ، قال تعالى فى سورة آل عمران }  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {200} { ، وقال U فى صفات أهل الإيمان }  وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3} { سورة العصر.

مكتبة الشرقاوى الحديثة

أبو كبير  - بجوار جامع أبو بربر

 

 

 

خلاصة البحث ونتائجه

سورة العصر سورة مكية ، عدد آياتها ثلاث ، وسميت بهذا الاسم لأنها استهلت بالقسم بالعصر.

وفى قسمه تعالى تنبيه مهم إلى أهمية المقسم به والمقسم عليه ، وقد قدمت لنا هذه السورة الكريمة منهجاً كاملاً شاملاً للنجاة من الخسران المبين.

هذا المنهج يتمثل في الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحق والصبر.

وهذه السورة الكريمة من قسم السور المفصل التي فضل بها رسول الله r ، فعن وائلة بن الأسقع t قال : قال النبى r أعطيت مكان التوراة  السبع الطوال ، ومكان الزبور المئين ، ومكان الإنجيل المثانى ، وفضلت بالمفصل [109].

والمفصل من أول سورة ق إلى سورة الناس ، وسمي بذلك : لكثرة الفصول بين السور بالبسملة ، وقيل لقلة النسخ ولذا سمى بالمحكم [110].

ولقد أدرك الصحابة الكرام فضل سورة العصر فكان الرجلان منهم إذا اجتمعا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على صاحبه هذه السورة الكريمة تبركاً بها وحرصا على أجر قراءتها ، وتحذيرا من الخسران المبين الذي يحيق بكل ضال ، وتذكرة بطريق النجاة الذي بينت السورة الكريمة معالمه ومراسمه.

والإيمان : هو مطلق التصديق بكل ما جاء به رسول الله r من عند ربه ، والعمل الصالح : امتثال كل ما أمر الله به واجتناب كل ما نهى الله عنه وحذر منه.

والحق : هو الأمر الثابت الذي لا يسوغ إنكاره ولا زوال في الدارين لمحاسن آثاره ، وهو الخير كله من توحيد الله وطاعته واتباع رسله.

وللصبر ثلاثة أنواع

الصبر على الطاعات.

الصبر عن المعاصى.

الصبر على البلاء.

وفى ذكر التواصي بالصبر بعد التواصي بالحق : إشارة إلى أن طريق الحق محفوف بالعقبات والأهوال ، والثبات عليه  يحتاج إلى صبر جميل وعزم مضاء.

وفى السورة الكريمة إشارة إلى أهمية الوقت في حياة المسلم ، فالوقت أمانة ومسئولية ، والوقت نعمة إلهية ، وعظة واعتبار ، والوقت أنفس ما يمتلكه الإنسان.

وحتى يدرك الإنسان حجم الخسران الذي يبوء به من لم يسلك طريق النجاة فعليه أن يعقد مقارنة بين متاع الدنيا الفاني وبين نعيم الآخرة الباقي.

وقد أوردنا في هذا البحث بعض النماذج الواقعية التي تشهد وتؤكد أن السعادة الحقيقية ليست في المال ، ولا في الجمال ، ولا في المنصب والسلطان ، وإنما السعادة في طاعة الرحمن.

وبمناسبة الحديث عن التواصي بالحق أوردنا مواقف مضيئة للعلماء الإجلاء الذين لم يخافوا في الحق لومة لائم أو بطش ظالم ، بل صدعوا بالحق 0

وبإخلاصهم وتقواهم ، وجد كل كلامهم آذانا صاغية وقلوباً واعية وصدورا رحبة .

وبمناسبة الحديث عن الصبر تحدثت عن أنواع الصبر ودرجاته ومقاماته ، وضرورته في شتى دروب الحياة والسبيل إلى تحصيله والثبات عليه ، وأهم فوائده وثمراته 0000

وفى الختام فإنني أوصي نفسي وأوصى جميع إخواني القراء بتقوى الله I والثبات على طريق النجاة ، والاجتهاد في تلاوة القرآن ومدارسته.

 

نسـأل الله تعالى أن ينفعنا بالقرآن ويجمعنا فى زمرة أهله.

وأن يغفر لنا ولوالدينا ولمشائخنا ولعامة المسلمين

 

كتبه الفقير إلى رحمة ربه

أحمد بن محمد الشرقاوي

أبو كبير –الشرقية – مصر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مـراجع الـبـحــث

 

أولا  :   القرآن الكريم

 

ثانيا :  كتب التفسير وعلوم القرآن :-

1-  إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم للعلامة أبى السعود ( محمد بن محمد مصطفى العمادى الحنفى ت 982 هـ ط دار الفكر بدون تاريخ ) 0

2-  الأساس فى التفسير للشيخ سعيد حوى ت 1409 هـ ط دار السلام ط أولى سنة 1405 هـجرية.

3-  أضواء البيان فى إيضاح القرآن بالقرآن للشنقيطى محمد الأمين بن محمد المختار الجكنى ت 1993هـ- طبع على نفقة الأمير أحمد بن عبد العزيز آل سعود  السعودية ط 1403هـ

4-  أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوى (عبد الله بن عمر ت 685هـ) ط دار الجيل بيروت بدون تاريخ 0

5-  الانتصاف للإمام أحمد بن المنير الاسكندرى ت 683 هـ بهامش الكشاف للزمخشرى ط دار الريان للتراث سنة 1407 هـ ط ثالثة 0

6-  البحر المحيط للإمام محمد بن يوسف الشهير بأبي حيان الأندلسى الغرناطى ت 754 هـ ط دار إحياء التراث العربى ط سنة 1411 هـ ثانية 0

البيان فى اختلاف أئمة الأمصار واتفاقهم فى عّد آى القرآن لأبى عمرو الدانى مخطوط رقم 2462 جامعة الإمام ابن سعود ق 76-165.

 

 

 

تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ عماد الدين أبى الفداء إسماعيل بن كثير القرشى الدمشقى ت 774 هـ ط دار التراث العربى بدون تاريخ 0

تفسير القرآن الحكيم المشتهر باسم تفسير المنار للسيد محمد رشيد رضا ط دار المنار سنة 1372 هـ سنة 1953 م ط ثانية 0

10- تيسير الكريم الرحمن فى تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدى ت 1376 هـ ط الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة الرياض ط 1404

11- التحرير والتنوير للأستاذ محمد الطاهر بن عاشور ت 1393هـ ط دار سحنون للنشر والتوزيع تونس بدون تاريخ

12- التفسير القرآنى للقرآن للأستاذ عبد الكريم الخطيب ط دار الفكر العربى بالقاهرة بدون تاريخ 0

13-  تناسق الدرر في تناسب السور للإمام السيوطي ط دار الكتاب العربى سوريا ط 1404هـ.

14-  جامع البيان فى تفسير القرآن للإمام أبى جعفر محمد بن جرير الطبرى ت310 هـ ط دار الريان للتراث ، ودار الحديث بالقاهرة سنة 1407 هـجرية.

15-   جمال القراء وكمال الإقراء لعلم الدين السخاوى ت 643 هـ 1/229 ط مكتبة التراث بمكة 1408 هـ

16-  الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ( أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى  ط الهيئة المصرية العامة للكتاب سنة 1987 م 0

17- حاشية الصاوى على الجلالين للإمام أحمد بن محمد الصاوى المصرى المالكى ت سنة 1241 هـ- ط دار إحياء التراث العربى 0

18- الدر المصون فى علوم الكتاب المكنون للإمام ( أحمد بن يوسف المعروف بالسمين الحلبى ت 756هـ ) ط دار القلم بدمشق ط 1 سنة 1407 هـ 0

19- الدر المنثور فى التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطى ت 911 هـ ط دار الفكر سنة 1403 هـ 0

20- روح المعانى فى تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى للإمام الألوسى شهاب الدين السيد محمود الألوسى ت 1270 هـ ط دار إحياء التراث العربى  ط  4 سنة 1405هـ

21- زاد المسير فى علم التفسير للإمام أبى الفرج عبد الرحمن بن الجوزى ( ت 596 هـ ) ط المكتب الإسلامى بيروت ط1 سنة 1385 هـ سنة  1965 م 0

22- السراج المنير فى الإعانة على معرفة بعض معانى كلمات ربنا الحكيم الخبير للإمام شمـس الدين محمد بـن أحمد الخطيب الشربينى ت 977 هـ ط دار المعرفة بيروت ط 2 بدون تاريخ 0

23- عناية القاضى وكفاية الراضى (حاشية الشهاب على تفسير البيضاوى ) لشهاب الدين الخفاجى ت 1069 هـ  ط /دار صادر بيروت بدون تاريخ

24- غرائب القرآن ورغائب الفرقان لنظام الدين الحسن بن محمد بن الحسين القمى النيسابورى ت 728 هـ ط  البابى الحلبى سنة 1381 هـ ط  أولى

25- فتح البيان فى مقاصد القرآن للشيخ صديق حسن خان  مطبعة العاصمة بالقاهرة ط سنة 1965 م 0

26- فتح القدير الجامع بين فنى الرواية والدراية من علم التفسير للإمام محمد بن على بن محمد الشوكانى ت 1255 هـ ط البابى الحلبى سنة 1350 هـ ط أولى 0

27- الفتوحات الإلهية بتوضيح تفسير الجلالين للدقائق الخفية للإمام سليمان بن عمر العجيلى الشافعى الشهير بالجمل ت 1204 هـ ط دار المنار للنشر والتوزيع والبابى الحلبى بدون تاريخ 0

28- فى ظلال القرآن للأستاذ سيد قطب ت 1966م  دار الشروق سنة 1407 هـ – طبعة  13.

29-الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل للإمام محمود بن عمر الزمخشرى المعتزلى ت 528 هـ ط دار الريان للتراث سنة 1407 هـ ط ثالثة

30- لباب التأويل فى معانى التنزيل للإمام علاء الدين على بن محمد بن إبراهيم البغدادى ت 741 هـ ط البابى الحلبى سنة 1375 هـ ط ثانية

31- لطائف الإشارات للإمام عبد الكريم القشيرى ت 465 هـ ط دار الكتاب العربى بالقاهرة .

32- مجمع البيان فى تفسير القرآن للشيخ أبى على الفضل بن الحسن الطبرسى ت 548 هـ ط دار المعرفة بيروت سنة 1406 هـ ط أولى

33- المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز للقاضى عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسى ت 546 هـ ط المجمع العلمى بفاس المغرب سنة 1395 هـ وطبعة دار الكتب العلمية بيروت 0

34- معانى القرآن لأبى زكريا يحيى بن زياد الفراء ت 207 هـ ط دار السرور بيروت

35- معانى القرآن وإعرابه للزجاج ( أبى إسحاق إبراهيم بن السرى ت 311 هـ ،  ط  سنة 1408 هـ ط أولى ط عالم الكتب 0

36- مفاتيح الغيب ( التفسير الكبير ) للإمام فخر الدين الرازى ت 606 هـ ط دار الفكر سنة 1405 هـ 0

37 – المفردات فى غريب القرآن للإمام أبى القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهانى ت 502 هـ ط دار المعرفة بيروت بدون تاريخ 0

 

38- الميزان فى تفسير القرآن للأستاذ محمد حسين الطباطبائى ط مؤسسة الأعلمى بيروت ط سنة 1403 هـ.

39-  نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور لبرهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعى ط دار الكتاب الإسلامى بالقاهرة ط 2  سنة 1413هـ

40-  ونفائس البيان شرح الفرائد الجسان فى عد آى القرآن لعبد الفتاح القاضى – مكتبة الدار – بالمدينة المنورة 1404هـ

41- النكت والعيون ( تفسير الماوردى ) لأبى الحسن على بن محمد بن حبيب الماوردى البصرى ت 450 هـ ط دار الصفوة بمصر سنة 1413 هـ ط أولى 0

 

ثالثا : مراجع فى السنة النبوية :

42- الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان - للأمير علاء الدين على بن بلبان الفارسى ت 739 هـ – تحقيق شعيب الأرنؤوط – ط مؤسسة الرسالة بيروت 0

43-  الترغيب والترهيب للمنذرى ( زكى الدين عبد العظيم بن عبد القوى ت 656 هـ ) ط / دار الحديث بدون تاريخ

44- سنن ابن ماجة ( أبو عبد الله محمد بن يزيد القزوينى ت 275 هـ ) ط دار الريان للتراث بدون تاريخ 0

45- سنن أبو داود ( أبو داود سليمان بن شعث السجستانى الأزدى ت 257 هـ  ط دار الفكر بدون تاريخ 0

46- سـنن الترمذى ( أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذى ت 297 هـ ) ط دار الفكر 1408هـ 0

47- سنن الدارمى ( عبد الله بن عبد الرحمن الدارمى السمرقندى ت 255 هـ ) ط دار الريان للتراث 1407 هـ ط أولى 0

48- سنن النسائى ( أحمد بن شعيب النسائى ت 303 هـ )  بشرح السيوطى وحاشية السندى ط دار الكتاب العربى بيروت بدون تاريخ 0

49- السنن الكبرى للبيهقى ( أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقى ) ط دار الفكر بدون تاريخ 0

50- صحيح مسلم بشرح النووى ( الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى ت 261 هـ  دار إحياء التراث العربى ط 3 بدون تاريخ .

51-  صفة أهل الجنة لابن أبي الدنيا ت 281 هـ ط دار البشير بالأردن ومؤسسة الرسالة بيروت.

52- عـون المعبود بشرح سنن أبى داود لأبى الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادى ط المكتبة السلفية بالمدينة 1388 هـ ط 2 0

53- فتح البارى بشرح صحيح البخارى لابن حجر العسقلانى ط دار الريان للتراث 1407هـ

54- فيض القدير شرح الجامع الصغير للحافظ عبد الرؤوف المناوى ط دار الفكر1391 هـ.

55- الفتح الربانى فى ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيبانى للشيخ أحمد عبد الرحمن البنا الساعاتى ط دار الشهاب بدون تاريخ 0

56- كشف الأستار عن زوائد البزار للهيثمى مؤسسة الرسالة بيروت 1404هـ ط أولى

57-    الكاف الشاف فى تخريج أحاديث الكشاف للحافظ ابن حجر العسقلانى بذيل الكشاف

58- مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمى ط دار الكتاب العربى بيروت 1402 هـ 0

59- مسند الإمام أحمد بن حنبل ط المكتب الإسلامى بدون تاريخ ، ط دار المعارف بتحقيق أحمد شاكر 1957 م 0

 

60- المستدرك على الصحيحين للإمام أبى عبد الله الحاكم النيسابورى ت 405 هـ وفى ذيله تلخيص المستدرك للإمام شمس الدين الذهبى ت 848 هـ 0

61- المعجم الأوسط للطبرانى تحقيق محمود شاكر ط مكتبة المعارف بالرياض 1415 هـ

62- المعجـم الصغير للطبرانى ط دار الكتب العلمية بيروت 1403 هـ 0

63- المعجم الكبير للطبرانى ط دار البيان العربى ط 2 بدون تاريخ 0

64- موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان للهيثمى ط دار الثقافة العربية بدمشق 1416 هـ ط1.

 

خامسا :  مراجع متنوعة :

65-  أين الخلل  -  للدكتور / يوسف القرضاوى ط دار الصحوة للنشر 1406

66-  إحياء علوم الدين للإمام  الغزالى ط المكتب الثفافى د.ت

67-  إيقاظ الهمم في شرح الحكم لابن عطاء الله السكندري ط المكتبة التوفيقية 0

تقييد العلم للخطيب البغدادى ص 139 ط المعهد الفرنسي بدمشق سنة 1949م.

69-  الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع للخطيب البغدادي بتحقيق د. محمود الطحان  ط/ مكتبة المعارف بالرياض 0

70 - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي لابن القيم ط/دار الكتب العلمية

الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه ، لأبي الهلال العسكري ط المكتب الإسلامي بيروت .

72-  خصائص المجتمع الإسلامي للأستاذ محمد عبد الله الخطيب ط دار التوزيع والنشر الإسلامية

73-  ديوان هاشم الرفاعي  ط/مكتبة الإيمان  المنصورة

74-    طبقات الشافعية الكبرى للإمام تاج الدين السبكى ط دار المعرفة بيروت

75- ركائز الإيمان بين العقل القلب للشيخ محمد الغزالى ط دار الاعتصام 1979م.

76- سير أعلام النبلاء للإمام شمس الدين الذهبي ط مؤسسة الرسالة بيروت .

77- شذرات الذهب في أخبار من ذهب للعماد الحنبلي ط/مكتبة القدسي بمصر

78- الصبر عند فقد الولد للدكتور/ أحمد الشرقاوي  ط / دار السلام بالقاهرة 1421 هـ 0

79- الصبر في القرآن للدكتور يوسف القرضاوي ط مكتبة وهبة.

80- الفوائد لابن القيم ط دار الريان للتراث 1407 هـ ط أولى.

81- كى لا نمضى بعيداً عن احتياجات العصر مجموعة رسائل للأستاذ سعيد حوى ط دار عمار بالأردن

82- لقاء المؤمنين تأليف عدنان علي رضا النحوي مطابع الفرزدق التجارية بالرياض

83- مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين لابن القيم ط دار الحديث

84- المرأة بين الفقه والقانون  د/ مصطفى السباعي ط/ المكتب الإسلامي

85- نفح الطيب من غصن أندلس الرطيب للشيخ أحمد محمد المقري التلمساني ت 1041 هـ ط دار صادر بيروت 1388هـ 0

 

 

 

 

 

 

 

المقدمة  ........................................ 3

الفصل الأول  : التعريف بالسورة الكريمة .......  6

الفصل الثاني   : في رحاب السورة ..............  11 -20

( دراسة تحليلية)

الفصل الثالث : مع السورة الكريمة............... 21-78

(دراسة الموضوعية )

تمهيد

المبحث الأول :  اغتنام الوقت .

المبحث الثاني : إدراك حقيقة الخسران.

المبحث الثالث :   طريق النجاة ويتكون من أربعة مطالب :-

المطلب الأول :    الإيمان

المطلب الثاني :   العمل الصالح.

المطلب الثالث :   التواصي بالحق.

المطلب الرابع :   التواصي بالصبر.

الخاتمة ...... .79-91. 





[1] -        يراجع جامع البيان للطبرى 30/187 ومعالم التنزيل للبغوى 5/620 ومعانى القرآن للفراء 3/289 والجامع لأحكام القرآن للقرطبى 20/178 وتفسير القرآن العظيم لابن كثير 4/547 والبرهان للزركشى 1/193 وفضائل القرآن لابن الضريس ، وابو الحسن الحصار فى كتابه الناسخ والمنسوخ كما فى الإتقان 1/14  وأبو محمد مكى بن أبى طالب القيسى فى كتابه الكشف عن وجوه القراءات السبع 2/388 ، والرازى فى التفسير الكبير   32 /84 ، وأبو السعود فى إرشاد العقل السليم 5/901 والخطيب الشربينى فى السراج المنير 4/583 ، والشوكانى فى فتح القدير   5 /491 ، والخازن فى تفسيره  4 /288 وغيرهم 0

[2] -         يراجع البيان فى اختلاف أئمة الأمصار واتفاقهم فى عّد آى القرآن لأبى عمرو ق 76-165 ، ونفائس البيان شرح الفرائد الجسان فى عد آى القرآن لعبد الفتاح القاضى ـ ، وكتاب جمال القراء وكمال الإقراء لعلم الدين السخاوى ت 643 هـ 1/229.

[3] -         أورده الهيثمي في مجمع الزوائد ح17331 ك/ الزهد باب ما جاء في الخوف والرجاءعن أبي مزينة الدارمي وقال الهيثمي  رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح 0

[4] -       رواه البيهقى فى شعب الإيمان ح 9507 – 6/501.

[5]  في ظلال القرآن 6/3964 بتصرف

[6] - قال تعالى { الْقَارِعَةُ {1} مَا الْقَارِعَةُ {2} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ {3} يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ {4} وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ {5} فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ {6} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ {7} وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ {8} فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ {9} وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ {10} نَارٌ حَامِيَةٌ {11}‏

[7] - قال تعالى { وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ {1} الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ {2} يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ {3} كَلَّا لَيُنبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ {4} وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ {5} نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ {6} الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ {7} إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ {8} فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ {9}‏ }

[8]           تناسق الدرر فى تناسب السور للإمام جلال الدين السيوطى ص 101

[9]     أورد هذا الرأي الإمام الطبري في جامع البيان 30/187 والبغوي في معالم التنزيل 5/620 وابن كثير في تفسيره  4/547 والشوكانى في فتح القدير 5/491 والرازي في مفاتيح الغيب  32  /84 وأبو السعود في إرشاد العقل السليم 5/901 وأبو حيان في البحر المحيط   8 /509 والقرطبي في الجامع  20/179 والنسفي في مدارك التنزيل 4/375 ، وفي حاشية الجمل على الجلالين 4/582 و في روح المعاني 16/409  .

[10]    التبيان في أقسام  القرآن لابن قيم الجوزية ص 114

[11]    ذكر هذا الرأي ابن كثير في تفسيره  4/547 ورجح الرأي الأول والشوكانى في فتح القدير 5/491 وأبو حيان في البحر المحيط  8 /509 وذكره النسفي في تفسيره 4/375.

[12]    سورة الأنبياء آية 1.

3     -  مفاتيح الغيب للرازى  32/85

[14]    الحديث ونصه في صحيح البخاري قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق فمنعه من ابن السبيل، ورجل بايع إماما لا يبايعه إلا لدنيا، فإن أعطاه منها رضي وإن لم يعطه منها سخط، ورجل أقام سلعته بعد العصر فقال: والله الذي لا إله غيره، لقد أعطيت بها كذا وكذا، فصدقه رجل). ثم قرأ هذه الآية: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}.صحيح البخاري 47-ك/المساقاة6-باب إثم من منع ابن السبيل من الماءح2230 ورواه أبو داود في السنن عنه ونصه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "ثلاثةٌ لا يكلمهم اللّه يوم القيامة: رجلٌ منع ابن السبيل فضل ماءٍ عنده، ورجلٌ حلف على سلعةٍ بعد العصر يعني كاذباً ورُجلٌ بايع إماماً فإِن أعطاه وفي له وإن لم يعطه لم يف [له]"السنن ك/الإجارة باب في منع الماء 3474

[15]    مفاتيح الغيب للرازى  32/85

[16]    التفسير القرآنى للقرآن   15 /1668.

[17]    رواه البخاري  في صحيحه  عن أبي موسى الأشعري y  ك- مواقيت الصلاة باب فضل صلاة الفجر حديث 548، ورواه مسلم في صحيحه  ك- المساجد باب فضل صلاتي الصبح والعصر ح635

[18]    رواه مسلم في صحيحه ك/ صلاة المسافرين باب الأ وقات التي نهي عن الصلاة فيها ح830

[19]  -    رواه البخاري  في صحيحه  عن أبي هريرة y  ك- مواقيت الصلاة باب فضل صلاة العصر ح530   ورواه مسلم في صحيحه  ك- المساجد باب فضل صلاتي الصبح والعصر ح 632

[20] -  الحديث  رواه الترمذي في السنن عن أبن عمر y -أبوب الصلاة –باب ما جاء في السهو عن  وقت صلاة العصر –ح175-وقال حديث حسن صحيح

[21] -     الحديث : رواه البخاري في صحيحه عن بريدة y ك-مواقيت الصلاة – باب الصلاة في يوم الغيم ح569

[22] -     مفاتيح الغيب للرازي    32 /85 ، 86 وذكر هذا الرأي الزمخشري في الكشاف 4/793 وابن عطية في المحرر الوجيز   8 /520 والإمام الخازن في تفسيره  4 /288 ، وأبو حيان في البحر المحيط  8  /509 والجمل في حاشيته على تفسيره الجلالين 4/582 ، والشوكاني في فتح القدير  5  /491 والنسفي في تفسيره 4/375.

[23] -     ذكر هذا الرأي ابن عاشور في تفسيره 30  /530.

[24] -     مفاتيح الغيب للرازى    32 /86.

[25] -     إرشاد العقل السليم  5/901 وذكر هذا الرأي الإمام الخازن في تفسيره وبين أن القسم بزمانهe لأنه أفضل الأزمان وأشرفها   4 /288 وأورده الشوكاني في فتح القدير    5 /491.

[26]        روى البخاري في صحيحه بسنده  عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أنه أخبره: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا حتى إلى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتينا القرآن، فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتابين: أي ربنا، أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين، وأعطيتنا قيراطا قيراطا، ونحن كنا أكثر عملا؟ قال: قال الله U وجل: هل ظلمتكم من أجركم من شيء؟ قالوا: لا، قال: فهو فضلي أوتيه من أشاء) ،   صحيح البخاري ك- مواقيت الصلاة  باب: من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.ح: 532

[27]       روح المعانى للألوسى  16/410.

[28]       البحر المحيط لأبي حيان  8 /509 والمحرر الوجيز لابن عطية ، وتفسير الخازن 4  /288 ، وفتح القدير للشوكاني  5 /491.

[29]     لباب التأويل للخازن 4/288 ، والسراج المنير للشربينى 4/584 ، وفتــــح القدير للشوكاني 7 /491

[30]     الحديث رواه أبو داود في السنن عن ابن عمرy ك/ الأيمان والنذور باب في كراهية الحلف بالأباء ح 3251  ورواه الترمذي في السنن عنه –أبواب النذور والأيمان باب8- ح1574 وقال هذا حديث حسن 0

[31]     لسان العرب لابن منظور 2/1156 والمصباح المنير للفيومى 1/78.

[32]     جامع البيان للطبرى 30/187 ومعالم التنزيل للبغوى  5/620 ومعانى القرآن للفراء 3/289 وفتح القدير للشوكاني  5 /491.

[33]     البحر المحيط لأبى حيان 8 /509

[34]        إرشاد العقل السليم   5/901

[35]        صحيح البخاري ك/ الجنائز باب فضل اتباع الجنائز ح 1260

[36]        التبيان في أقسام القرآن لابن القيم ص 116.

[37]        لسان العرب  6/4853 .

[38]        حاشية الجمل  4/583 .

[39]        إرشاد العقل السليم  5/901 ومدارك التنزيل للنسفي  4/375

[40]        مفاتيح الغيب  للرازي    32/90

[41]        يراجع حاشية الشهاب على البيضاوي  6/396

[42]        يراجع إرشاد العقل السليم  5/901

 - [43] تحفة الأحوذي   - 35 ـ كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . 1564 ـ باب ما جاءَ في حِفْظِ الّلسان . الحديث رقم: 2448

 

[44] -     الحديث رواه البخاري في صحيحه  عن ابن عباس رضي الله عنهما  ‏صحيح البخاري،  كتاب الرقاق 1 - باب: ما جاء في الصحة والفراغ، وأن لا عيش إلا عيش الآخرة. الحديث رقم: 6049 [وقوله  (مغبون) من الغبن وهو النقص، وقيل: الغبن وهو ضعف الرأي. (الصحة) في الأبدان. (الفراغ) عدم ما يشغله من الأمور الدنيوية].‏

[45] -    الحديث  رواه الترمذي في السنن  عن ابن مسعود كتاب صفة القيامة باب في القيامة في شأن الحساب والقصاص رقم /2418/ و/2419/ وقال حسن صحيح.  ورواه الطبراني والبزار بنحوه عن معاذ بن جبل ورجال الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعدي بن عدي الكندي وهما ثقتان.‏يراجع مجمع الزوائد للهيثمي  كتاب البعث.  باب ما جاء في الحساب. ح 17493 0

[46] - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ص 208، 209

[47]         إيقاظ الهمم في شرح الحكم  ص 14.

[48]         نفس المرجع  ص 356.

[49]         نفس المرجع   ص 17.

[50]         نفس المرجع  ص 428.

2          نفس المرجع ص 27.

3          الحث على طلب العلم والاجتهاد في جمعه لأبى هلال العسكرى ص 87 .

1-         مناقب أبى حنيفة للإمام  الموفق المكى 1/472 .

2-          تقييد العلم للخطيب البغدادى ص 139.

1           الجامع لأخلاق الراوى وآداب السامع 2/178 ، وعبيد بن يعيش شيخ البخارى ومسلم تراجع ترجمته في سير اعلام النبلاء للذهبى 11/458.

[56] -    رواه ابن ماجه في السنن  كتاب الزهد. باب الهمّ بالدنيا.الحديث رقم: 4105-وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح، رجاله ثقات.

[57]     صحيح مسلم. كتاب صفة القيامة والجنة والنار.  12 - باب صبغ أنعم أهل الدنيا في النار، وصبغ أشدهم بؤسا في الجنة.  الحديث رقم: (2807 ) وقوله فيصبغ في النار صبغة) أي يغمس غمسة. (بؤسا) البؤس هو الشدة].‏ورواه الإمام أحمد في مسنده 3/253وابن أبي الدنيا في صفة أهل الجنة حديث236 0

[58] - رواه البخاري في صحيحه ك/الرقاق باب صفة أهل الجنةحديث 6567  ورواه الترمذي في السنن أبواب فضائل الجهاد  17 - باب في الغدوِّ والرواحِ في سبيلِ اللهِ.الحديث رقم: 1699 –وقال هذا حديثٌ صحيحٌ. ‏

 

[59] -أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة y  ك/الجهاد والسير  باب درجات المجاهدين حديث2637 ،ورواه الترمذي في السنن عن معاذ بن جبل y  أبواب صفة الجنة –باب ما جاء في صفة درجات الجنة ح 2650، وفي نفس الباب عن عبادة بن الصامت y ح2651

[60]        نفح الطيب  1/363.

[61]        جمع طمْر وهو الثوب الخلق البالى.

[62]        اشتهت إحدى نسائه ذات مرة المشى في الطين حين رأت الناس يمشون فيه فأمر المعتمد بأشياء من الطيب وذُرت في ساحة القصر ثم نصبت الغرابيل ، وصب فيها ماء الورد على أخلاط الطيب و، وعجنت بالأيدى حتى عادت كالطين وخاضتها مع الجوارى – نفح الطيب 6/49.

[63]        نفس المرجع   6/50.

[64] - وفي حديث لأحد أبطال أفلام رعاة البقر يقول في نهايته إن فاتنات هوليوود أكثر نساء العالم تعاسة ! إنهن دمى ( لعب ) في أيدى تجار هوليوود ، وما على الفنانة كى تصل إلى الشهرة إلا أن تبيع نفسها وإرادتها وكرامتها ، ثم لا تلبث أن تأتيها الضربة القاصمة بعد أن ينتهى دورها وتستنفذ مواهبها  ، يراجع كتاب المرأة بين الفقه والقانون د0 مصطفي السباعى ص 315 ، 316 0

[65] -في ظلال القرآن 6/ 3970

 

[66]        المفردات للراغب الأصفهاني  ص 26.

[67]        روح المعانى للألوسى  1/183.

[68]        الفوائد لابن القيم ص 147.

[69]        تفسير المنار  1/326.

[70]         رواه البخاري في صحيحه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ك الإيمان باب سؤال جبريل  النبي r         حديث ( 48 )  ورواه مسلم في صحيحه  ك  الإيمان والإسلام  ح 10 ، والترمذي ك الإيمان ح 2535  ،وأبو داود ك السنة ح 4075.

[71]          رواه البخاري في صحيحه عن أبي هريرة ك الإيمان باب أمور الإيمان ح 8.

[72]          في ظلال القرآن 6/ 3964

[73]          نفس المرجع 6/3966 بتصرف يسير

[74]          ركائز الإيمان بين العقل والقلب ص 8 بتصرف

[75]          لقاء المؤمنين تأليف عدنان علي رضا النحوي 2/207 بتصرف

[76]          خصائص المجتمع الإسلامي للأستاذ محمد عبد الله الخطيب ص 18،19بتصرف

1          كتاب : أين الخلل للدكتور / يوسف القرضاوى ص 21 ط دار الصحوة للنشر.

1 -         كى لا نمضى بعيداً عن احتياجات العصر مجموعة رسائل للأستاذ / سعيد حوى ص 46.

[79]   -       ديوان هاشم الرفاعي ص 196 مكتبة الإيمان  المنصورة

[80] -      إرشاد العقل السليم  5 /901

[81] -      رواه مسلم فى صحيحه ك الإيمان باب كون النهى عن المنكر من الإيمان وأن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر واجبان 2/22.

[82] -رواه  أبو دَاوُد في السنن  أول كتاب الملاحم. باب الأمر والنهي.  الحديث رقم: 4336ـ  ورواه ابن ماجة في السنن - كتاب الفتن.  باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.  الحديث رقم: 4006- ورواه الترمذي في السنن وقال حسن غريب –سنن الترمذي ك/التفسير باب6 ومن سورة المائدة حديث 3058 ورواه الإمام أحمد في مسنده 1/391

[83]  -   تفسير القرآن العظيم لابن كثير 1/391.

[84] -مفاتيح الغيب للرازى 7/177 ، 178 بتصرف.

[85] - صحيح البخاري  -كتاب الأنبياء - باب: قصة يأجوج ومأجوج - حديث رقم: -3168 وأخرجه مسلم في الفتن وأشراط الساعة، باب: اقتراب الفتن وفتح ردم يأجوج ومأجوج، رقم: 2880

[86] ‏ -صحيح البخاري  52 - كتاب الشركة.  6 - باب: هل يقرع في القسمة والاستهام فيه.  الحديث رقم: 2361

[87] - صحيح مسلم  كتاب الزكاة   (16) باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من لمعروف.  الحديث رقم: 56 - (1009) (تعدل بين الاثنين صدقة) أي تصلح بينهما بالعدل

[88] -رواه الترمذى فى السنن عن أبى سعيد الخدرى أبواب الفتن باب أفضل الجهاد كلمة عدل سلطان جائر ح 2265 وقال حديث حسن غريب من هذا الوجه ، ورواه أبو داود فى السنن عنه ك الملاحم باب الأمر والنهى ح 4344 ورواه ابن ماجه فى السنن عنه ك الفتن باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ح 4011.

[89] - أورده الهيثمي في مجمع الزوائد وقال رواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس  وفيه شخص ضعيف في الحديث - مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي  كتاب الفتن أعاذنا الله منها.  باب في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفيمن لا تأخذه في الله لومة لائم. الحديث رقم: 11667.

[90] -   سورة الإنفطار  13 ،14

[91]          وفيات الأعيان  2/423.

[92] - ويريد بالبنية هنا القبة التى بناها الناصر بالزهراء واتخذ قراميدها من فضة وبعضها مغشى بالذهب وجعل سقفها نوعين صفراء فاقعة إلى بيضاء ناصعة يستلب الأبصار شعاعها .

[93] -    سير أعلام النبلاء للذهبي 16/173 ، وشذرات الذهب للعماد الحنبلي 3/17     

[94]          طبقات الشافعية الكبرى للسبكى  5/84.

[95]          نفس المرجع  8/211-212 .

[96]          نفس المرجع  8/234.

[97] -إحياء علوم الدين للإمام الغزالي  2/ 350

[98]- الفرج بعد الشدة للقاضى أبى على المحسن على التنوخى ص 219 : 221 ط دار قباء بالقاهرة.

[99] -  رواه الترمذى فى السنن أبواب  الفتن باب ما جاء فى نزول العذاب إذا لم يغير المنكر حديث 2257 –ورواه ابن ماجة في السنن ك /الفتن ،باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حديث 4005 –وإسناده صحيح  .

[100] -  رواه ابن ماجة في السنن ك/الفتن باب قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ) حديث 4041 واللفظ له ، ورواه الترمذي في السنن –أبواب تفسير القرآن باب-6 –ومن سورة المائدة حديث 5051 وقال هذا حديث حسن غريب ورواه أبو داود في السنن ك/الملاحم –باب الأمر والنهي حديث 4341-

وقوله (مؤثرة) أي يختارها كل أحد على الدين. ويميل إليها، لا إليه. (يدان لك به) أي لاقدرة لك به. (خويصة) في القاموس: الخويْصَّة تصغير الخاصة، ياؤها ساكنة، لأن ياء النصغير لا تتحرك. (أيام الصبر) بالإضافة. أي أياما يعظم فيها أجر الصبر

[101] - سبق تخريجه

[102] -الإحياء  2/304.

[103]      الصبر فى القرآن للدكتور / يوسف القرضاوى ص 12 بتصرف.

[104]      نفس المرجع السابق.

[105]      مدارج السالكين  2/168.

[106]      نفس المرجع باختصار  2/175.

[107] -رواه الإمام أحمد في مسنده   عن ابن عمر    ورواه الترمذي في السنن عنه -أ بواب صفة القيامة باب20 وإسناده حسن كما في التحفة  7 / 210 0

[108] -  يراجع في هذا المقام كتابي الصبر عند فقد الولد ط / دار السلام بالقاهرة

[109] -  رواه الإمام أحمد في مسنده 4/107 ، وأبو داود الطيالسى في مسنده ص 136 حديث  1012 ، وأبو عبيد في فضائل القرآن ص 119 ، والبيهقي في شعب الإيمان 2/465 ح 2415 ، والطبراني في المعجم الكبير 22/76 وإسناده حسن. وقال الهيثمي في المجمع 7/46 : ورواه أحمد وفيه عمران القطان وثقه أبن حبان وغيره وضعفه النسائي وبقية رجاله ثقاث ،  أهـ وقد تابعه عند أبو عبيد والطبراني سعيد بن بشير الأزدي وهو صدوق كما قال الذهبي وقال ابن أبى حاتم محله الصدق – التقريب 1/292 ، وسير أعلام النبلاء 7/304.

[110] -  البرهان في علوم القرآن للزركشى  1/244 ، والإتقان للسيوطى  1/62.
 





تفسير سورة النمل

تفسير سورة النمل     تِلْكَ آَيَاتُ الْقُرْآَنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ (1) طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ قَدْ اِخْتَلَفَ الْمُف...